تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

افتتح الباب بذكر الدليل, وعادة الفقهاء أنهم يذكرون المدلول ثمَّ يتبعونه بالدليل؛ يعني يذكرون الحكم ثمَّ يتبعونه بالدليل, لكنَّهم يبدأون غالبًا في باب الطهارة بالدليل قيل لأنَّ فيها معنى التبرُّكِ بالبداءة بالقرآن, وبدأ الإمام النوويُّ بذكر الدليل تبعًا للإمام الشافعيِ والأصحاب.

ـ[أبو عبيد الله المصري]ــــــــ[08 - 12 - 06, 05:22 م]ـ

الدرس الثالث

يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ

مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ.

فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ، وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلَُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ، وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ.

يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ

مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ.

الماء هو الأصل الغالب في وسائل الطهارة, لقوله تعالى ((فلم تجدوا ماءً فتيمَّموا)) فجعل الماء هو الأصل, والتيمُّم؛ وهو استعمال التراب هو البديل, واشترط في هذا البديل عدم وجود الأصل, فدلَّ على أنَّ الأصل الغالب هو الماء.

بِلَا قَيْدٍ

كالإضافة في قولنا (ماء ورد) , وكالصفة في قوله تعالى ((ماء دافق)) , وكلام العهد في قوله-صلَّى الله عليه وسلَّم: ((نعم إذا رأتِ الماء)):أي المني.

فإن أمكن حذف القيد من إضافة, أو صفة مع بقاء المعنى كاملًا لم يكن هذا القيد لازمًا نحو (ماء البئر, وماء العين, وماء البحر, وماء السماء).

أمَّا إن حذف القيد فاختلف المعنى كان القيد لازمًا, وخرج الماء عن إطلاقه نحو (ماء ورد) , فلو حذفنا (ورد) , وقلنا (ماء) لم يفهم المراد, وانصرف إلى معنى آخر. فالماء ينصرف إلى المطلق لتبادره إلى الأذهان.

فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ غَيْرُ طَهُورٍ

بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ يعنون به المخالط.

والفرق بين المخالط, والمجاور هو أنَّه ما يمكن فصله يسمى مجاورًا, وما لايمكن فصله يسمى مخالطًا, وهذا المشهور بين العلماء في الفرق بينهما, وإلَّا فهناك قولٌ آخر مفاده أنَّ المجاور ما يتميَّز في رأي العين كالتراب, وعكسه هو المخالط.

فقوله (بمستغنى عنه): أي بمخالط بشرط أن يكون هذا المخالط طاهرًا.

تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ: أي على هذا الماء.

فالتغيُّر المعتبر هو الذي يخرج الماء عن أحد أوصافه الثلاثة, وهذه الأوصاف عدميَّة؛ لأنَّ الماء عديم اللون والطعم والرائحة, فإذا وصف بطعم أو لون أو رائحة فقد تغيَّر.

غَيْرُ طَهُورٍ: الطهور هو ما تتعدَّى طهارته إلى غيره, أمَّا الطاهر ففي نفسه, ولايرفع حدثًا, ولايزيل نجسًا.

فالماء الذي غيَّره مخالط طاهر كالزعفران بسبب كثرته فيه لايكون طهورًا, كما أنَّه لايكون مطلقًا, فما يصدق عليه طهور يصدق عليه مطلق, وإن كان الطهور والمطلق من حيث المفهوم مختلفين؛ فمفهوم الأول ما يسمى ماءً بلاقيد, ومفهوم الثاني ما يرفع حدثًا ويزيل نجسًا.

وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ

وَلَا يَضُرُّ: أي في الطهارة تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ لقلَّة هذا التغيُّر.

وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ،

وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ: أي ماء ظلَّ في موقعه فترة فتغيَّر أحد أوصافه.

وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ: أي ولامتغيِّر بما في مقره وممره ككبريت وزرنيخ.

فهذا الماء لايخرج عن طهوريَّته وإطلاقه مع أنَّه تغيَّر؛ لأنَّ هذه الأشياء يتعذَّر صون الماء عنها, ليست من فعل الآدميِّ, ولو كانت من فعله إصلاحًا لمقر الماء وممره كوضع بعض المواد مثل (الكلور) ونحوه ممَّا يؤثِّر في الماء لونًا أو طعمًا أو رائحة فتغتفر لأنَّ بها يُصان الماء.

فالحاصل أنَّ تغيَّر الماء بهذه الأشياء لايمنع إطلاق اسم الماء عليه بشرط ألا ينفصل منها عينٌ تخالط الماء وتسلبه الاسم وإلَّا أخذ حكم المخالط لأنَّه صار مخالطًا لا يمكن فصله لامتزاج عينه بجنس الماء

مثاله غليُ حبٍّ أوكتانٍ أوعودٍ في الماء حتى ينفصل من المغلى (الحب أوالكتان وغيره) في الماء ما يمنع إطلاق اسم الماء عليه بل يسمى ماء كذا فهو مخالط لا مجاور في هذه الحالة.

وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ.

وَكَذَا: أي وكذا لايضرُّ.

مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ طاهر, وإلَّا أضرَّ لو كان نجسًا.

كَعُودٍ وَدُهْنٍ: مطيِّبَيْنِ أو لا.

أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ قال الإمام جلال الدين المحلِّي:" لأنَّ تغيُّره بذلك في الأول-يقصد في العود والدهن- تروُّحًا, وفي الثاني-يقصد في التراب-كدُورَةً-أي تكديرًا- لايمنع إطلاق الاسم عليه".

وقد اعتُرِضَ عليه بأنَّه يُفهم من كلامه أنَّه ليس للتراب إلَّا لون, وهذا غير صحيح, فللتراب طعم وريح كذلك إذا وجدت في الماء فقد أثَّرت فيه, لكن الغالب في التراب أنَّه يكدر لون الماء.

فِي الْأَظْهَرِ: أي في أظهر القولين.

أمَّا في القول الثاني فإنَّه يضرُّ كالمتغيِّر بنجس مجاور في الأول- أي في العود والدهن- وبزعفران في الثاني-أي في التراب- فيخرج الماء عن طهوريَّته وإطلاقه.

ويردُّ عليه:

في الأول بأنَّ هناك فرقًا بين العود والدهن (الطيِّبَيْنِ) , وبين النجس, فتغيُّر الماء بالنجس يخرج الماء أصلًا عن كونه طاهرًا, بخلاف تغيُّره بالعود والدهن فلا يخرجه عن كون طاهرًا.

وفي الثاني بأنَّ هناك فرقًا بين التراب والزعفران, فالزعفران وإن كان طاهرًا إلَّا أنَّ التراب مطهِّر, فاختلاط المطهِّر بمطهِّر لايخرجه عن طهوريَّته.

فالفرق في الأول بغلظ أمر النجاسة, وفي الثاني بطهوريَّة التراب.

أمَّا المتغيِّر بتراب تهبُّ به الريح لايضرُّ جزمًا؛ ذلك لأنَّه لايُحترز منه, ولاتدخل هذه المسألة في القولين،بل الخلاف في المطروح فقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير