تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن حجر (59) في الفتح: ويستفاد منه (يقصدحديث المغيرة) أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة. اهـ

وقال النووي (60) في الروضة: ( ... دخل مسلم دار الحرب بأمان فاقترض منهم شيئا، أو سرق وعاد إلى دار الإسلام، لزمه رده، لأنه ليس له التعرض لهم إذا دخل بأمان. اهـ

ويقول أبو يعلى الفراء (61): وإذا دخل دار الحرب بأمان، وكان مأسورا معه فأطلقوه وأمنوه لم يجز له أن يغتالهم في نفس ولا مال، وعليه أن يؤمنهم كما أمنوه. اهـ

وقال ابن مفلح (62): فإن أطلقوه وأمنوه فله الهرب لا الخيانة، ويرد ما أخذ منهم، لأنهم صاروا بأمانه في أمان منه، فإذا خالف فهو غادر، وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالا باختياره، لزمه إنفاذ المال إليهم إذا قدر عليه، لأنه عاهدهم على أداء مال، فلزمه الوفاء به، كثمن البيع وإن عجز عنه وعاد إليهم لزمه الوفاء لهم نص عليهما، ولأن في الوفاء مصلحة للأسارى، وفي الغدر مفسدة في حقهم، لكونهم لا يؤمنون بعده، والحاجة داعية إليه. اهـ

وقال ابن قدامة (63) رحمه الله: وأما خيانتهم فمحرمة لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم وأمانه إياهم من نفسه وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لعهده. فإذا ثبت هذا لم تحل خيانتهم لأنه غدر ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (المسلمون عند شروطهم) (64) فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان رده عليهم و إلا بعث به إليهم لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه رد ما أخذ كما لو أخذه من مال مسلم).

وقال (65) رحمه الله: ومن دخل دارهم بأمانهم فقد أمنهم من نفسه، وإن خلوا أسيرا منا بشرط أن يبعث إليهم مالا معلوما لزمه الوفاء لهم، فإن شرطوا عليه أن يعود إليهم إن عجز لزمه الوفاء لهم، إلا أن تكون امرأة فلا ترجع إليهم. اهـ

هذا الكلام ينبغي أن يكتب بماء الذهب، مما يرسخ أعمدة ورواسي ثوابتنا ومسلماتنا في الإسلام، وهذا ما لا يجوز أن يشوبه شك أو ريب، فإننا لا نعلم محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلا أمينا صادقا حافظا لعهوده ومواثيقه. وانظروا معي إلى شهادة أم المؤمنين خديجة وهي تطمئنه عندما جاءه الوحي (إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق) (66) فذكرته بأن من يتحلى بمثل هذه الخصال لا يخذله الله أو يخزيه، ولا يمكن أن يصيبه ما يكره لأن الله مع المتقين، ولم تقل له: إنك لتسرق الناس وتقطع الطريق وتخون العهد، لأن من كانت هذه أخلاقه لا يمكن أن يصنف نفسه في تعداد الأسوياء فضلا عن أن يصنفها في تعداد الدعاة إلا الله، فطريق الدعوة يسخر لها الله ويصطفي من عباده الأوفياء، وإن كان يمهل من يلعب بها من الأدعياء. ولقد ابتلينا ببعض الجهلة بالدين ممن أحل لنفسه سرقتهم وأخذ أموالهم بغير حق، وترويعهم في عملهم وبلادهم، وتركوا عموميات الشريعة وثوابتها، وركضوا وراء الأقوال الشاذة، وآراء صائبة لا ينزلونها مقامها، طلبا للهوى، وجريا وراء المادة سواءا كانت حلالا أو حراما، وكأن الله حرم السرقة في مكان دون مكان وفي وقت دون وقت ولا حول ولا قوة إلا بالله‘ مما يجعل المسلمين في عيون الغربيين العاديين قطاع طرق، فهذا والله صد عن سبيل الله، ولسوف يسألون.

- الدعاء لهم -:

كما أن دعوتهم إلى الدين ينبغي أن تُتَوّج بالدعاء لهم بالهداية عسى الله أن يهديهم فيصبحوا فرسانا في ميادين الدعوة إلى الله، وحراسا لعقيدة التوحيد، وشموعا تحرق نفوسها في سبيل إضاءة الطريق للآخرين، يقول أبو هريرة: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما أكره، فأتيت رسول الله وأنا أبكي، قلت يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (اللهم اهد أم أبي هريرة) ... الحديث (67) فأسلمت ببركة دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛

كما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دعا لقبيلة دوسٍ حين قدم الطفيل بن عامر الدوسي فقال: يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها، فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: (اللهم اهد دوسا وائت بهم) (68)، وقال سبحانه وتعالى عن المشركين الذي صدوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم الحديبية: +عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم " (69)، قال القرطبي في تفسير الآية وهذا بأن يسلم الكافر، والله أعلم.

وغِنَى بالمشهور عن المسطور أكتفي بهذه الإشارات، وأسأل الله أن تجد هذه الكلمات عقولا تحيى بها، وقلوبا تنبض بمعانيها، فإن معرفة الحق تحتاج إلى رجلين، رجل يقوله ورجل يفهمه.


(53) المبسوط (10/ 96)
(54) شرح السير الكبير (2/ 66)
(55) شرح فتح القدير (6/ 17)
(56) مطبوع مع حاشية ابن عابدين (4/ 166)
(57) الأم (4/ 284)
(58) نفس المصدر (4/ 292)
(59) فتح الباري 5/ 402
(60) روضة الطالبين (10/ 291)
(61) الأحكام السلطانية ص 152
(62) المبدع (3/ 396)
(63) المغني 8/ 315
(64) رواه البخاري معلقا (فتح الباري 4/ 569) كتاب الإجارة، باب أجر السمسرة.
(65) شرح العمدة ص 518
(66) البخاري (فتح الباري 1/ 29) كتاب بدء الوحي، باب (بياض).
(67) مسلم مع شرح النووي (16/ 269) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي هريرة الدوسيّ رضي الله عنه.
(68) البخاري (فتح الباري 8/ 437)، كتاب المغازي، باب قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي)، ومسلم (شرح النووي 16/ 294) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيء.
(69) الممتحنة:7

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير