تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و تبقى النصوص النبوية سالمة في حقه عن المعارض بالعمل، فهذا هو الذي يصلح، و إنما تنزّلنا هذا التنزيل لأنه قد يقال: إن نظر هذا قاصر و ليس اجتهاده تاماً في هذه المسألة لضعف آلة الاجتهاد في حقه، و أما إذا قدر على الاجتهاد التام الذي يعتقد معه أن القول الآخر ليس معه ما يدفع النص فهذا يجب عليه اتباع النصوص و إن لم يفعل كان متبعاً للظن و ما تهوى الأنفس، و كان من أكابر العصاة لله و لرسوله بخلاف من يكون للقول الآخر حجة راجحة على هذا النص و قال النبي – صلى الله عليه و سلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ([74] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn74))، و الذي تستطيعه من العلم و الفقه في هذه المسألة قد دلَّ على أن حكمك في ذلك حكم المجتهد المستقل إذا تغير اجتهاده، و انتقال الإنسان من قولٍ إلى قولٍ لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه، بخلاف إقراره على قولٍ لا حجة معه عليه، وترك القول الذي وضحت حجته أو الانتقال عن قولٍ إلى قولٍ بمجرد دعوى و اتباع هوى، فهذا مذموم.

و إذا كان المقلد قد سمع الحديث و تركه، لا سيما إذاكان قد رواه أيضاً عدل، فمثل هذا وحده لا يكون عذراً في ترك النص، فمن ترك الحديث لاعتقاده أنه لم يصح أو روايه مجهول و نحو ذلك. و يكون غيره قد علم صحته وثقة راويه فقد زال العذر ذلك في حق هذا.

و من ترك الحديث لاعتقاده أن ظاهر القرآن يخالفه، أو القياس أو عمل لبعض الأمصار، و قد تبين لآخر أن ظاهر القرآن لا يخالفه، و أن نص الحديث الصحيح مقدم على الظواهر، و مقدم على القياس و العمل، لم يكن عند ذلك الرجل عذرٌ في حقه؛ فإن ظهور المدارك الشرعية للأذهان و خفاءها عنها أمر لا يُضبَط طرفاه، لاسيما إذا كان التارك للحديث معتقداً أنه يترك العمل به المهاجرون و الأنصار، أهل المدينة النبوية و غيرها الذين يقال إنهم لا يتركون الحديث إلا لاعتقادهم أنه منسوخ أو معارض براجح و قد بلغ من بعدهم أن المهاجرين و الأنصار لم يتركوه بل قد عمل به بعضهم أو من سمعه منهم و نحو ذلك مما يقدح في هذا المعارض للنص.

و إذا قيل لهذا المستفتي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟ كانت هذه معارضة فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة و لست من هذا و لا من هذا. و لكن نسبة هؤلاء الأئمة إليَّ نسبة أبي بكر و عمر و عثمان و علي و ابن مسعود و أبيِّ و معاذ و نحوهم إلى الأئمة غيرهم. فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع فإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله و رسوله، و إن كان بعضهم يكون أعلم في مواضع أخر، و كذلك موارد النزاع بين الأئمة، و قد ترك الناس قول عمر و ابن مسعود – رضي الله عنهما – في مسألة تيمم الجنب، و أخذوا بقول أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه وغيره لما احتج بالكتاب و السنة و تركوا قول عمر – رضي الله عنه- في دية الأصابع و أخذوا بقول معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – لما كان في السنة: أن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال: ((هذه و هذه سواء .. )) ([75] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn75))، و قد كان بعض الناس يناظر ابن عباس – رضي الله عنهما – في المتعة فقال له: قال أبو بكر و عمر، فقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و تقولون قال أبو بكر وعمر ([76] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn76)). و كذلك ابن عمر – رضي الله عنهما – لما سألوه عنها فأمر بها فعارضوه بقول عمر فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه فألحوا عليه فقال لهم: أرسول الله أحق أن يتبع أم عمر؟ مع علم الناس بأن أبا بكر و عمر أعلم من ابن عمر و ابن عباس – رضي الله عنهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير