تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سئل شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية عليه الرحمة و الرضوان، عن رجل تفقه على مذهب من المذاهب الأربعة، و تبصر فيه، و اشتغل بعده بالحديث، فوجد أحاديث صحيحة لا يعلم لها ناسخاً و لا مخصصاً و لا معارضاً، و ذلك المذهب فيه ما يخالف تلك الأحاديث، فهل له العمل بالمذهب، أو يجب عليه الرجوع إلى العمل بالحديث، و مخالفة مذهبه؟

فأجاب رحمه الله تعالى:

قد ثبت بالكتاب و السنة و الإجماع، أن الله تعالى افترض على العباد طاعته و طاعة رسوله، و لم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما أمر به و نهى عنه إلا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – حتى كان صديق الأمة و أفضلها بعد نبيها – صلى الله عليه و سلم و رضي الله عنه – يقول: (أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم) ([70] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn70))، و اتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوماً في كل ما أمر به و نهى عنه، إلا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و لهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد يؤخذ من كلامه و يترك إلا رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و هؤلاء الأئمة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه و ذلك هو الواجب.

و قال أبو حنيفة – رحمه الله: (هذا رأيي، و هذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه). و لهذا لما اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف بإمام دار الهجرة مالك بن أنس و سأله عن مسألة الصاع ([71] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn71))، و صدقة الخضراوات ([72] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn72))، و مسألة الأحباس، فأخبره مالك بن أنس بما دلت عليه السنة في ذلك، فقال: (رجعت لقولك يا أبا عبد الله، و لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت). و مالك – رحمه الله – كان يقول: (إنما أنا بشر أصيب و أخطىء، فاعرضوا قولي على الكتاب و السنة) أو كلام هذا معناه. والشافعي – رحمه الله – كان يقول: (إذا صحّ الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، و إذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي). و في مختصر المزني لما اختصره ذكر أنه اختصره من مذهب الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه، قال مع إعلامه و نهيه عن تقليده و تقليد غيره من العلماء: (و الإمام أحمد – رحمه الله – كان يقول: من ضيق علم الرجل أن يقلد دينه الرجال. قال: لا تقلد دينك الرجال فإنهم لم يسلموا أن يغلطوا). و قد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه و سلم – أنه قال: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ([73] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn73))، و لازم ذلك أن من لم يفقهه في الدين لم يرد به خيراً، فيكون التفقه في الدين فرضاً، و التفقه في الدين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقهاً في الدين، لكن من الناس من قد يعجز عنها فيلزمه ما يقدر عليه.

و أما القادر على الاستدلال فقيل: يحرم عليه التقليد مطلقاً، و قيل: يجوز مطلقاً، و قيل: يجوز عند الحاجة، كما إذا ضاق الوقت عند الاستدلال، و هذا القول أعدل الأقوال إن شاء الله تعالى. و الاجتهاد ليس هو أمراً لا يقبل التجزُّؤ و الإنقسام، بل يكون الرجل مجتهداً في فنٍ، أو بابٍ، أو مسألةٍ دون فنٍ و بابٍ و مسألةٍ، و كل فاجتهاده بحسب وسعه فمن نظر في مسألة قد تنازع العلماء فيها، فرأى من أحد القولين نصوصاً لم يعلم لها معارضاً بعد نظر مثله فهو بين أمرين:

إما أن يتبع قول القائل الآخر لمجرد كونه الإمام الذي اشتغل على مذهبه و مثل هذا ليس بحجة شرعية. بل مجرد عادة تعارضها عادة غيره، و اشتغاله بمذهب إمام آخر.

و إما يتبع القول الذي ترجح بنظره بالنصوص الدالة عليه فحينئذٍ موافقته لإمام يقاوم به ذلك الإمام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير