تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مرور سنة جاء ليعلن إسلامه على يد القاضي يحيى ابن أكثم، فسأله عن السبب في هذا التأخر؟ فذكر له: أنه عمد إلى التوراة فكتب منها نسخاً حَرَّفَ فيها وغير وبدل ثم ذهب بها إلى سوق اليهود، فتخطفوها من يده، واشتروها، وقرأوها، وعملوا بما فيها، ثم صنع مثل ذلك في الإنجيل، ثم بعد ذلك عرضه على النصارى، فاشتروه، واعتمدوه، ثم بعد ذلك عَمِدَ إلى القرآن الكريم فغير فيه تغييرات يسيرة جداً لا تكاد تُلْحَظ، فجاء به إلى سوق المسلمين ـ سوق الوراقين ـ، فمن نظر فيه رماه في وجهه، ثم بعد ذلك أعلن إسلامه، وذكر القصة ليحيى بن أكثم، فلما حج يحيى بن أكثم إلتقى بسفيان بن عيينة، واجتمع به، وذكر له القصة، فقال: هذه القصة شاهدها في القرآن، فالله ـ جل وعلا ـ، قد تكفل بحفظه ? إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون? فلا يستطيع أحد، ولا يجرؤ أن يزيد أو ينقص، وأما بالنسبة للتوراة والإنجيل، فقد استحفظوا عليها، ووكل حفظها إليهما، فلم يحفظوهما، فوقع ما وقع من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وهذا الكتاب المحفوظ بين الدفتين هو أصل الأصول بالنسبة للأمة، وفي فلكه تدور جميع الكتب، بما في ذلك السنة، لأنها مفسرة للقرآن ومبينة له وموضحة له.

نعم! فيها أحكام زائدة على ما جاء في القرآن وتستقل بتشريع بعض الأحكام، وهي من الوحي كما قال: ? وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ? وبالنسبة لتدوين السنة، فقد جاء في حديث أبي سعيد عند مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه))، ومع ذلكم كان من الصحابة من يكتب، فمنهم من حمل هذا النهي على الكراهة، بمعنى إعتنوا بالقرآن ولا تخلطوا معه غيره، ومنهم من حمل هذا النهي على ما إذا خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن بأن تكتب السنة مع القرآن في صحيفة واحدة فيتجه النهي حينئذٍ، ومنهم من حمله على ما إذا اعتمد الناس على الكتابة وتركوا الحفظ، والواقع يشهد بهذا، أن من اعتمد على ما يكتب فإن الحافظة عنده تضعف إلى أن تذهب، فاللي يكتب ما يحتاج إليه، يعتمد على هذا المكتوب، ثم إذا تذكر شيئاً منه لم يذكره، بينما من لم يكتب وانتبه لما يُذْكر وما يُقال لا شك أنه يحفظه، والناس متفاوتون في الحفظ قوة وضعفاً.

وبعد هذا أُمن المحظور فأمر عمر بن عبدالعزيز بكتابة السنة خشية أن تضيع بموت الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، وهذا هو بداية التدوين الرسمي للسنة، وأما قبل ذلك فهو تدوين شخصي ككتابة عبدالله بن عمرو بن العاص، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اكتبوا لأبي شاة)) فهذا أمر بالكتابة لكنه نادر، ويبقى أن الضبط والكتابة للقرآن، ولم يكتب غيره خشية أن يختلط به، وما خيف منه من الاعتماد على الكتابة وضياع الحفظ هو الحاصل، فالناس قبل أن يكتبوا يحفظون، والتدرج الزمني الذي حصل يشهد بها، فكان الصحابة يحفظون السنة، ثم بعد ذلك جاء بعدهم التابعون وهم حفاظ، ثم بعد ذلك بدأ التدوين وما زال الحفظ في الأمة حتى وجد من الأئمة من يحفظ سبعمائة ألف حديث (أكثر مما جمع بالحواسب بكثير)، ثم انتشرت الكتابة وما زال الأمر يضعف، أعني مسألة الحفظ؛ حفظ الصدر، وإن حفظ الكتاب الذي هو عنوان وبرهان لحفظ هذا الدين ما زال مستمراً، ولم يفت على الأمة شيء، ولم يضع من دينها وعلمها شيء، واستمر الأمر على ذلك والحافظة عند الناس تضعف اعتماداً على هذه الكتب، ونظراً لكثرتها وتنوعها وتشعبها.

في أول الأمر كتبت السنة، ثم كتبت الآثار عن الصحابة والتابعين، ثم دونت أقوال الرجال، وصار لها أثر على حفظ السنة. ودونت العلوم وصنفت الكتب فمنها الغايات ومنها الوسائل، ومنها ما يتوصل به إلى المطلوب، ويكون مطلوباً لا لذاته، ثم بعد ذلك جاءت المطابع، فصارت الكتب متيسرة أكثر مما كانت عليه الأمر قبل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير