لو اعتبرنا الصيغة الماضية سؤالا استفهاميا فإنما تتحدد الإجابة عليه حسب ما تقتضيه الإجابة على هذا التساؤل:
من أولى الناس بالرجل؟ هل هم الذين اتهموه وسبوه؟ أم الذين برأوه وأيدوه؟
إذ جاءك هذا فاعلم أن بني إسرائيل قد اتهمت موسى وآذته، وأن براءته ظلت غير مسطورة في كتاب حتى سطرت في كتابنا (القرآن)، كتاب أمة محمد – أمة آخر الزمان، بل أمة الزمان كله – قال تعالى:
?يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ?
وروي البخاري وغيره في تفسير هذه الآية عن أبى هريرة:
" إن موسى كان رجلا حييا ستيرا؛ لا يرى من جلده شئ – استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده؛ إما برص، وإما أدرة، وإما آفة.
وإن الله تعالى – أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، …. فذلك قوله تعالى:
? يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ?
وروي الحديث من حديث أنس بن مالك في المسند – وفي بعض رواياته:
" … فقالت بنو إسرائيل: قاتل الله الأفاكين. وكانت براءته "
هذا الخبر الموثق في كتبنا – نحن أمة محمد ? - يدل على أمر خطير؛ مؤداه أن اتهام موسى عليه السلام كان عندهم، وأن براءته سجلت عندنا. ويبحث الباحث عن أثر لهذه البراءة في كتبهم فلا يجد له أثرا! مع أن هذه الكتب قد سجلت من حياة موسى بعد البعثة ما هو أقل شأنا من ذلك، أما قبل البعثة فالعهد القديم لا يذكر إلا قصة ولادته، وتبنى القصر الفرعوني له، ثم خبر قتله لأحد المصريين، ويقول مؤلفو (قاموس الكتاب المقدس!):
" ولا نعلم شيئا عن تفاصيل حياته في هذه المدة "
ومع ذلك فإن ما قصته السنة النبوية المطهرة من أخلاق موسى، ومنزلته عند الله تعالى، لا تجده في كتب بني إسرائيل التي أغرقت في الحكايات القليلة الجدوى.
فمن أحق بموسى؟ أمة محمد – التي تذكر أنه يقوم النبي ? حين ينفخ في الصور فيجد موسى عليه السلام باطشا بالعرش، وأنه مثل أعلى للصبر، وأنه حيى ستير، وأنه يدافع عن التوحيد ويغضب لله؟
أم قوم موسى – الذين اتهموه أولاً ثم نسبوا إليه في كتابهم من الكذب ما نسبوا؟ فهو الذي يقول – بزعمهم:
" في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس "
ويقول للرب – واعظاً إياه:
" لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من مصر؟ … ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك "
ويبدو أن هذه الموعظة قد أحدثت أثرها في هذا الرب العجيب؛ إذ يقول كاتب سفر الخروج:
" فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه "
ولكن مع ذلك فإن الرب (!) ينقلب على موسى وهارون – عليهما السلام – في آخر الأمر لأنهما ليسا من المؤمنين به – في نظره! – حيث يقول:
" من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقد ساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها "
وهكذا بقية الأنبياء:
أما عن هارون – أخي موسى ووزيره، وعضده ونصيره – فحدث ولا حرج، وبحسب المرء أن يقرأ في كتب القوم ليعلم أن هارون – عليه السلام – هو الذي صنع لبني إسرائيل العجل الصنم من الذهب، ولبث معهم يعبده، ويشرب الخمر ويرقص معهم حوله، وبراءته من هذا الشرك القذر مسطورة في كتابنا الكريم:
? ولقد قال لهم هارون من قبل: يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني، وأطيعوا أمري. قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ?
إلا أن دور أمة محمد ? في حفظ مكانة الأنبياء لا تقتصر على موسى وهارون، وإنما يمتد لأنبياء ما قبل (إسرائيل)، ولأنبياء ما بعد موسى عليهم السلام جميعا. فهؤلاء جميعا ادخرت لهم الشهادة الصالحة، والذكرى الطيبة عند هذه الأمة في الدنيا والآخرة. ولولا مخافة الملل والإطالة لذكرناهم واحدا واحدا، لكن نجتزئ بما يغني إن شاء الله.
هذا نوح عليه السلام:
¥