يؤتى به يوم القيامة مع قومه، فيسئل: هل بلغت؟ فيقول: نعم. أي رب. فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا. ما جاءنا من نبي. فيقول الله لنوح: من يشهد لك؟ فيقول عليه السلام: محمد ? وأمته.
قال ?:
" فنشهد أنه قد بلغ – وهو قوله ذكره:
? وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ?
ونوح – عليه السلام – عندنا – هو الداعية إلى التوحيد، الذاب عن الله سبحانه، الذي أقام ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو إلى الحق، ويظهر الهدى والخير، فأين هذا كله في أسفار القوم؟؟ هذه أمته تنكرت له في الدنيا والآخرة. فماذا صنعت به بنو إسرائيل؟
لم يذكر العهد القديم حرفا واحدا عن توحيد نوح أو دعوته للتوحيد، وإنما ذكر في الإصحاحات (السادس والسابع والثامن والتاسع) من سفر التكوين تطور حياة نوح وبعض أعماله – ممزوجة بأهواء الإسرائيليين – ولم ينس بنو إسرائيل أن يؤذوا نوحا عليه السلام، بقولهم في الإصحاح التاسع:
" …. وشرب [يعنى نوحا] الخمر، فسكر، وتعرى داخل خبائه، فأبصر، (حام) أبو كنعان – عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا .. " الخ.
فمن أولى بنوح إذن: قومه الذين أنكروه؟ أم بنو إسرائيل الذين لمزوه؟ أم أمة محمد التي حفظ عندها قدره وأكرموه؟
وسليمان أيضاً:
وهذا سليمان – عليه السلام: وهو الملك العظيم من أنبياء بني إسرائيل، الذي تصفه كتبهم بأحسن الصفات، ولكنها جميعا صفات لا تتعلق بالنبوة، ولا بالعلاقة باله تعالى، ولا حتى بالخلق القويم، ولا تعدل – مجتمعة – قطرة واحدة في قوله تعالى عنه:
? نعم العبد، إنه أواب ?
لقد استكثر بنو إسرائيل على سليمان أن يكون له صفات رجولية في حياته؛ كشدة الذكاء، والحكمة، والمهارة في البناء والإدارة، فلم يتورعوا أن يتهموه بغلبة الغرائز الجنسية، ويكفى قراءة واحدة لسفر (نشيد الإنشاد) ليعلم مصداق ذلك، وقد كتب فصلا صغيرا في كتاب (الزنا المقدس) سميته (نشيد الإنشاد .. أفجر قصيدة حب في التاريخ). أما نشيد الإنشاد فهم ينسبونه صراحة لسليمان فيقولون في أوله: " هذا نشيد الإنشاد، الذي للملك سليمان بن داود ". بل لم يتورعوا أن يتهموه بأنه كفر في آخر حياته، وأشرك بالله عز وجل، اتباعا لشهوته مع النساء، واستهواء العشيقات، فيقول كاتب سفر الملوك الأول – لعنه الله تعالى:
" وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة … وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه …، فذهب سليمان وراء (عشتورت) إلاهة الصيدونيين، و (ملكوم) رجس العمونيين " الخ ما جاء في الإصحاح الحادي عشر من هذا السفر الكذوب.
انظر إلى هذا الكذب على نبي الله سليمان، ثم انظر إلى هذه المقاطع من آي كتاب الله الفرقان، ثم قارن .. حيث يقول الله تعالى:
? نعم العبد ?
? إنه أواب ?
? وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ?
وحيث يقول على لسانه:
? رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ?
الخ هذ الثناء المبارك من الكتاب الكريم. ثم أجب بع ذلك:
من أولى بسليمان عليه السلام: هم أم نحن؟
ولو ذهبنا نتتبع ذلك في الأنبياء جميعا، وفي أنبياء بني إسرائيل خاصة لاحتاج ذلك إلى مجلد، وسنصل إلى ما وصلنا إليه، ويصبح صدقا وعدلا وقسطا وحقا قول رسول الله ?:
" نحن أولى بموسى منهم "
إن هذه الأمة هي أمة الشهادة – أمة الصدق والحق والعدل والميزان.
خلاصة الشرائع:
ومن ثمة فنحن أولى بشريعة موسى، وشريعة كل نبي سبق، ما لم يكن قد نسخها شرعنا بما هو أحسن منها؛ فقد جمعت شريعة آخر الزمان محاسن الشرائع، فما كان فيها حسنا اثبتته، وما كان محتاجا إلى تحسين جاءت به على أحسن ما يكون؛ ولذلك يقول الله تعالى:
? الله نزل أحسن الحديث ?
ويقول:
? نحن نقص عليك أحسن القصص ?
ويقول:
? إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ?
فالقرآن هو أحسن الحديث، وأحسن القصص، وأقوم الهداية، وهذا أصل لقوله تعالى:
? وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ?
قال الإمام العلامة ابن تيمية – رحمه الله تعالى:
¥