فأجاب – حفظه الله -: (وبعد، فهذه الآيات من كلام الله، وهو شفاء كما ذكره في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) (سورة فصلت – الآية 44)، فلا مانع من قراءتها على المريض وتكرارها إلى سبع أو إلى عشرين مرة ونحو ذلك للتأكيد، ولم يرد التحديد، لكن حدد جنس الرقية في السنة بالقرآن والأدعية ونحوها، فكلها صريحة في الجواز، وتكون الرقية في ماء يشرب أو زيت يقرأ به، أو على المريض مباشرة أو نحو ذلك، فالقرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم) (المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين) 0
قلت: وحيث أنه يرى خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة، والذي أراه المنع سدا للذريعة المفضية للمخالفة الشريعة أو التوسع في ذلك، ويكون ذلك بسبب الاعتبارات التالية:
أ) - إن التخصيص بقراءة السور أو الآيات بعدد محدد لم يستند لأصل شرعي في الكتاب والسنة، وهو تخصيص بلا مخصص، وقد ورد التخصيص بقراءة آيات أو سور من كتاب الله عز وجل كالفاتحة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة والمعوذتين والإخلاص كما أشار لذلك فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – وكما بينت ذلك آنفا، وما دون ذلك فالأولى تركه خوفاً من الاعتقاد بهذه الآيات أو السور عما سواها، ولو كان في مثل ذلك التخصيص العام خير وفائدة معينة لأرشدنا إليه الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه، أو بينه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة 0
ب) - سوف يؤدي فتح هذا الباب لذريعة الوقوع فيما هو شر منه، كما يحصل مع بعض الجهلة ممن يطلبون قراءة سورة الفاتحة أو آية الكرسي بعدد محدد لاستحضار الجني الموكل بها للعون والمساعدة، وكذبا قالوا وباطل ما كانوا يدعون 0
ج) - لا بد من سد الذرائع التي سوف تفضي للكفر أو الشرك أو البدعة أو المعصية بحسب حالها 0
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع؛ فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد التي تحصل بها لا يُعبِّر عنها لسان، ولا يحيط بها إنسان 00
وليس لأحد أن يسن للناس نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة، يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به 00
وأما اتخاذ وردٍ غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا، ففي الأدعية الشرعية، والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المجدثة المبتدعة إلا جاهل ومفرط أو متعد) (مجموع الفتاوى - 22/ 510، 511) 0
قال القاضي عياض – رحمه الله -: (أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاء في كتابه لخليفته، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة؛ فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطان للناس من هذا المقام، فقيَّض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين فيقولون: " دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر الصديق " فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح) (نقلاً عن الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 24) 0
وقال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوش: (ومن العجب العجاب أن تُعرِض عن الدعوات التي ذكرها الله في كتابه عن الأنبياء، والأولياء، والأصفياء مقرونة بالإجابة وأن تنتقي ألفاظ الشعراء والكتاب كأنك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم، ثم استعنت بدعوات من سواهم) (نقلاً عن الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 24) 0
¥