لكن المشكلة لم تكن موجودة، إذ كانت السوق العقاريّة الأميركيّة تزدهر وكانت المصارف تستعيد المال التي تقرضه من خلال ارتفاع أسعار العقارات. كما كان أصحاب المنازل يتحمّلون تسديد ديونهم وأيضاً أخذ قروض أكبر. إضافةً إلى ذلك، كانت المصارف تستطيع إدانة أناس لا مدخول لهم لأنّها كانت تعتمد على قيمة ارتفاع أسعار البيوت من أجل تغطية قرضها. بعد ذلك، فشل كل شيء. فمنذ عام 2006، بدأ ارتفاع أسعار العقارات يتباطأ قبل أن يهبط. وعندما أثّر انخفاض أسعار العقارات على قدرة المستدينين في تسديد ديونهم، انخفضت رغبتهم في الاستدانة. فهبط سوق القروض العقاريّة. وتلى ذلك خسارة دائني القروض العقاريّة لأموالهم، واكتشف أصحاب الضمانات المدعومة من القروض العقاريّة أنّ «عقاراتهم» لم تكن تستحقّ ما دفعوه، وأنّ الجميع في العالم المالي كان لديه هذه الضمانات.
لماذا انهارت السوق العقاريّة؟ لماذا لم تبق على خطّها المستقيم صعوداً كما حصل لمدّة 18 عاماً؟ أغامر بجواب. أولاً: هناك «دورات حركيّة» تعمل في ظلّ الرأسماليّة الحديثة. وأهمّ قوانين هذه الدورات هي الربحيّة. وكما أوضح كارل ماركس، تعتبر نسبة الربح مفتاح الاستثمار والنمو في النظام الرأسماليّ. في المقابل، عدم الربح يعني لا استثمار، ولا مردود، ولا وظائف. لكنّ دورات الربح تتحرّك من خلال حلقات، فيرتفع الربح لفترة قبل أن يبدأ بالهبوط ( ... )
ومثّل هذا الارتفاع الهائل في أسعار المنازل، انحرافاً كبيراً في موارد الرأسماليّة في اتجاه قطاعات غير منتجة، لم تؤدِّ إلى أي ربح جديد، من خلال الاستثمارات في التكنولوجيا والقوى العاملة.
في النتيجة، خفّض ذلك قدرة الرأسماليّة على الاستثمار في تكنولوجيا جديدة من أجل دفع النمو الاقتصاديّ. فكانت العمليّة خلق رأسمال خياليّ. وهذا يتبيّن من خلال حدث واضح. فيمكنكم قياس حركة أسعار المنازل بين 1991 و 2006. عام 1994، توقّفت أسعار البيوت على المؤشّر 100، فيما ارتفعت إلى 200 عام 2006، ما يعني أنّها تضاعفت. وفعلياً، لم تكن أسعار العقارات في السوق منسجمة مع القيمة الحقيقيّة للمنزل. لقد أصبحت السوق العقاريّة مكاناً للمضاربة الماليّة. إلى ذلك، لا تعمل الرأسماليّة بسلاسة وبتطوّر هادئ، بل تعمل بعنف، وثقل، وبدورات انتعاش وانحسار.
إذاً، ماذا سيحصل الآن؟ سيفشل المزيد من المصارف، كما ستزداد التعاسة في الأسواق الماليّة. وسيخسر الموظّفون، الذين لا يهمّهم إذا ما خسر المستثمرون الكبار أموالهم، وظائفهم. لكنّنا لا نتحدّث عن الرؤساء الأغنياء الذين سبّبوا كلّ هذه الفوضى (والذين سيغادرون حاصلين على أرباحهم وتقاعدهم)، إنمّا نتكلّم عن عشرات الآلاف من ذوي الدخل المتوسّط الذين وضعوا كل مدخّراتهم في أسهم المصارف التي يعملون فيها، والتي أصبحت دون فائدة بعد اليوم.
علاوةً على ذلك، سيؤدّي انهيار النظام الماليّ إلى انكماش اقتصاديّ خطير بدأت ملامحه بالبروز في الولايات المتّحدة وبريطانيا وأوروبا واليابان، التي دخلت في الانهيار الاقتصادي. وسيؤدي ذلك إلى كفّ الناتج عن الارتفاع، وإلى فشل الشركات وزيادة البطالة والتضخّم بشكل ملحوظ. في المقابل، ضاع السياسيون في هذا الخضمّ. فلا تعرف الإدارة الجمهوريّة اليمينيّة ولا «العمّال الجدد» ما العمل. بالفعل، ارتبط «العمّال الجدد» كثيراً بمثال الرأسماليّة الأميركيّة مع «خياراتها الحرّة» و «فتح الأسواق»، ما يجعلهم أكثر نكراناً من الجمهوريّين. وأُممّ في الولايات المتّحدة دائنو القروض العقاريّة. أما في بريطانيا، فصدموا فقط وثرثروا حول «أسوأ أزمة خلال 60 عاماً».
في النهاية، ستتعافى الرأسماليّة، إلا إذا أتت حكومات تريد إنهاء حكم رأس المال. لكنّ الرأسماليّة ستتعافى فقط إذا ما أنعشت الربح. ولذلك، من الضروري القضاء على عدد من الوظائف وضمّ شركات لأخريات أغنى. وقد بدأت هذه العمليّة في القطاع الماليّ وستتواصل في كلّ الاقتصاد.
ـ[ taleb-ilm] ــــــــ[26 - 09 - 08, 12:16 م]ـ
جزاك الله خيرا
هكذا مصير القوانين الوضعية تعود بالخيبة والدمار على ممارسيها
قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (المائدة: 50)