وحدث كل ذلك بعد أسبوع فقط من تأميم أكبر شركة شبه حكوميّة في العالم للقروض العقاريّة « fannie mae» و « Freddie mac» لحماية مالكي العقارات الأميركيّين وقطاع القروض العقاريّة من الإفلاس. وكان هذان الدائنان يملكان أكثر من 40% من القروض العقاريّة في الولايات المتّحدة و85% من القروض الجديدة. وهذا يعني أنّ عدم تمكّنهما من العمل، كان سيؤدّي إلى الانهيار التام للسوق العقاريّة. ولذلك، اضطرّت إدارة بوش إلى تأميمهما!
كيف حصلت هذه الفوضى العارمة في الرأسماليّة؟
لم يُشكّل الاقتصاديّون الرأسماليّون بعد، أيّة فكرة حقيقيّة حول الموضوع. فيقول البعض إنّ الخطأ مصدره المديرون التنفيذيّون الجشعون في المصارف، الذين خاضوا غمار استثمارات متهوّرة وأقرضوا الكثير من المال لأفراد لم يتمكّنوا من تسديد الدين. أمّا البعض الآخر، فيعتقد بأنّ الخطأ ارتكبه الاحتياطي الفدراليّ ومصارف مركزيّة أخرى، لأنها تركت مستويات الفائدة متدنّية، ما شجّع الناس على الاستدانة بشكل واسع كما شجع المصارف على الإقراض.
وهناك رأي يقول إنّ المصارف المركزية فشلت في «تنظيم» البنوك وبيوت الاستثمار من أجل التأكّد من أنّها تملك الأموال الكافية للعمل.
وربّما قضيّة انهيار شركة السفريات البريطانيّة XL هذا الأسبوع، التي خلّفت المئات من العاطلين من العمل وعشرات الآلاف من المسافرين الذين لم يتمكّنوا من العودة إلى منازلهم، تشير إلى أكثر الدلائل إثارةً للاهتمام، التي تُفسّر لماذا تجرف هذه الأزمة الماليّة هذا العدد الكبير من الشركات الماليّة الضخمة.
في السياق، يُفسّر المدير النتفيذي لـ XL، باكياً أمام الصحف، أسباب انهيار مؤسّسته دون إنذار، ويعيدها إلى سببين: ــ الارتفاع الحاد في أسعار النفط الذي رفع تكاليف الشركة من خلال دفع نفقات وقود الطائرات. وثانياً الفشل في توفير المال الإضافيّ من قبل المصارف لتغطية النفقات الضرورية لاستمراريّة عمل الشركة.
وحدث ما حدث. ويكمن الخوف جرّاء أزمة الائتمان العالميّة من عدم رغبة المصارف في إعطاء القروض بنسب فائدة معقولة أو بشروط معقولة للشركات. لذلك، تُدفع المؤسّسات التي تُعاني من الصعوبات الماليّة، إلى الإفلاس، فتوقّعوا المزيد خلال العام المقبل.
ولماذا لا تستطيع المصارف إعطاء المزيد من القروض؟ لأنّها خسرت الكثير من المال جرّاء انخفاض قيمة الأصول التي اشترتها خلال السنوات الخمس والست السابقة. لذلك، عليها أن تقتصد والكفّ عن إعطاء القروض. كما يجب أن تبحث عن رؤوس أموال ومستثمرين جدد قبل معاودة الإدانة (هذا يُفسّر لماذا لم يعط أي مصرف القروض لـ BEAR STEARNS، و «ليمن»، و «نورثرن روك» وآخرين).
لكن ما هي هذه الأصول التي خسرت كلّ هذه القيمة؟ تُسمّى في الأساس ضمانات مدعومة من القروض العقاريّة. سابقاً في السوق العقاريّة، كانت المصارف ومؤسّسات البناء تجذب الإيداعات من المدّخرين، وتعطيها قروضاً لأشخاص يريدون شراء منزل. إذاً من الإيداع إلى القرض السكني، المعادلة سهلة.
إنّما بدأ بعض المصرفيّين بـ «الابتكار» من أجل زيادة الأرباح، فاستدانوا من مصارف أخرى من أجل تقديم القروض العقاريّة. وأصبح هذا «التمويل الشموليّ» رائجاً في المصارف الأميركيّة، مثل «نورثرن روك»، التي كانت أشبه بالمؤسّسة العقاريّة النائمة حتّى أواسط التسعينيات، وتحوّلت إلى «مصرف» مع حملة أسهم وإدارة شرسة من أجل جلب المال لمستثمريها (لا مودعي المال فيها).
لكن القصّة لم تنتهِ عند هذا الحدّ، بل أتت المصارف بموّال جديد يقضي بتجميع القروض السكنيّة في سلّة تضمّ قروضاً ذات نوعيّة مختلفة تستطيع بيعها كسندات أمان لمصارف أخرى أو لمستثمرين ماليّين. وأدّى ذلك إلى «تنويع» مخاطرهم. إضافةً إلى ذلك، أقامت شركات أخذت كل هذه المسؤوليّات عن عاتقها، وهذا أتاح للمصارف الاستدانة أكثر وإعطاء قروض سكنيّة. وأدّى ذلك إلى انخفاض السيولة لدى البنوك من 10% من قيمة القروض إلى 5% أو أقلّ، أو حتّى 20% في ما خصّ المصارف الأميركيّة الكبرى.
¥