قال الحسن البصري: قوم ادعوا محبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فابتلاهم الله بهذه الآية: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
تعصي الإله وأنت تظهر حبه - هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته - إن المحب لمن يحب مطيع
فأنت تتبع هذا الطريق المستقيم - طريق النبي الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فإذا ما رفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قدمه اليمنى وضعت قدمك اليمنى مكانها، وإذا ما رفع قدمه اليسرى وضعت قدمك اليسرى مكانها ...
ثالثاً: فعل الطاعات واجتناب المحرمات:
فإن مما يعين العبد المسلم إلى الوصول إلى الاستقامة وتحقيقها = محافظته على الطاعات فرائض كانت أو نوافل، وهي من أهمّ الوسائل التي تجلب للعبد محبة سيده ومولاه.
ففي الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -:
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
قال الله - عز وجل -: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ، حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.
فإذا أحب الرب - جل جلاله - عبدا أعانه وسدده ووفقه للاستقامة على دينه، كما أن اجتناب المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها، جليِّها وخفيِّها، له الأثر الكبير في تحقيق معناني الاستقامة.
رابعاً العلم:
أيها المسلمون الكرام: إن الله - عز وجل - ما أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أن يستزيد من شيء إلا من العلم فقال - عز وجل -: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114) ...
ولم يقل: زدني مالا أو جاها أو سلطانا أو ملكا ... بل قال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا،
وأفضل العلم بلا شك: علم الوحيين الكتاب والسنة، الذي هو أفضل القربات إلى الباري - جل جلاله - وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وبه تحيا القلوب، وتُعرف الشرائع والأحكام،
وروى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه من حديث أبي شريح الخزاعي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفَهُ بِيَدِ اللهِ، وَطَرَفَهُ بِأَيْدِيكُمْ؛ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا.
وفي سنن أبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ ...
وفي سنن ابن ماجة من حديث كثير بن قيس قال: كنتُ جالسا مع أبي الدَّرْدَاء في مسجد دِمَشْقَ، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء، إِني جئْتُكَ من مدينَةِ الرَّسولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لحديث بلغني أَنَّكَ تُحَدِّثُه عن رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما جئتُ لحاجة، قال: فإِني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: «مَن سَلَكَ طريقا يَطلُبُ فيه علما: سَلَكَ الله بِهِ طريقا من طُرُقِ الجنَّة، وَإِنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضى لطالبِ العلم، وَإِنَّ العالمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَن في السمواتِ ومَن في الأرضِ، والحِيتَانُ في جَوفِ الماء، وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب، وَإِن العُلماءَ وَرَثَةُ الأنبياء، وَإِنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثُوا دِينارا ولا دِرْهما، وَرَّثُوا العلم، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظّ وَافِر».
خامسا: الذكر
ففي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ.
وما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه ِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ: يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.
نسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا من عبادة المقيمن على طاعته، المستقيمين علي سنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،،،
¥