[السياسة .. ما نأتي منها وما نذر]
ـ[همام النجدي]ــــــــ[27 - 11 - 10, 11:42 م]ـ
السياسة .. ما نأتي منها وما نذر ( http://www.alsalafway.com/cms/news.php?action=news&id=1173)
كتبه/ عبد المنعم الشحات.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
تعتبر قضية موقف السلفيين من "السياسة" من أكثر الموضوعات إثارة للجدل والنقاش بين أبناء الدعوة السلفية وغيرهم من أبناء الحركات الإسلامية الأخرى، ذلك لأن السلفيين يتركون كثيراً من صور السياسة التي تتبناها تيارات إسلامية أخرى، منها ما عرف باسم تيار "الإسلام السياسي"، نظرًا لأنه يرى المشاركة في النظام السياسي المعاصر في بلاد المسلمين بل وفي بلاد الكفر أيضًا، وهذا الاصطلاح في حد ذاته هو أحد أسباب اللبس في هذه القضية، حيث يظن البعض أن له مفهوم مخالف، فيظن أن الآخرين هم أنصار "الإسلام غير السياسي"، وهذا مفهوم خاطئ تماماً؛ لأن الخلاف إنما هو في صلاحية المشاركة السياسية لأن تكون طريقاً لتطبيق دين الله -عز وجل- في الأرض.
وكثير من أبناء حركات "الإسلام السياسي" تدرك هذا الأمر جيداً، ولكنهم يعودون فيستدركون على السلفيين أنهم لا يتكلمون في أمور سياسية أخرى هامة كالسياسة الاقتصادية ومظاهر الانحراف فيها، والكسب غير المشروع، والاستيلاء على المال العام والرشوة والمحسوبية و .... إلى قائمة طويلة من الموضوعات التي تعتبر عند كل مشتغل بالسياسة من أبجديات "السياسة"، وفي واقع الأمر أن هذا النوع من القضايا السياسية فرع على اختيار المشاركة السياسية فمن اختار الدخول في هذه الحلبة، فلابد وأن يبدأ من مقاعد المعارضة التي تجمع كل هذه الانحرافات عن المثال النظري الوضعي، والذي قد يكون بدوره موافقاً للشرع أحياناً كما يكون في غاية البعد عن شرع الله أحياناً أخرى.
وأما من لم يختر هذا الطريق فليس من الحكمة تضييع وقته في تتبع هذه الجزئيات التي لا تنتهي.
والدعوة السلفية إذ ترى أهمية التركيز على إصلاح الأفراد وتربيتهم تربية إيمانية صحيحة مستمدة من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة مع تصفيتها من شوائب الشرك والبدع القديمة منها كالعقلانية والحديثة كالعلمانية، مع الربط بين هؤلاء الأفراد للتعاون فيما بينهم للقيام بأي صورة ممكنة من صور أعمال الأمة وفروض الكفايات، ترى أن الخوض في جزئيات "السياسة" التي يعنيها هؤلاء هو نوع من تضييع الأعمار والأوقات وانصراف عن واجب الوقت من "التصفية والتربية" إلى أمور هي أشبه بأحاديث السمر، بيد أن أحاديث السمر يقطع بها الليل وهذه الأحاديث يقطع بها العمر.
ناهيك عن الأثر السيئ الذي تتركه في نفوس كثير من عوام المسلمين وهم يبحثون بدورهم عن "شماعة" يعلقون عليها تكاسلهم عن نصرة دين الله، وإلا فتدبر في تعاطف عوام المسلمين مع "غزة"، وكيف انقلب إلى سخط عام لما قيل لهم: "أهالي غزة يريدون احتلال سيناء"، وبلغ الحنق "الشعبي" على أهالي غزة مداه لما قيل لهم: "إنهم اشتروا البضائع بنقود مزورة".
وأقرب من هذا: ادخل مع أي واحد من عوام المسلمين في حوار عن دور "الفنانين والفنانات" في إفساد الشباب تجد نفسك أمام خطيب مفوه لا يبقي لك بعده مقالاً، فإذا حاولت على استحياء أن تدير دفة الحديث إلى أننا نحن عامة المسلمين الذين ندفع لهم، وأننا جمهورهم الذي لولاه لما استمر هؤلاء، تجده يقلب لك ظهر المجن، ويحدثك عن الوسطية والاعتدال، أوعلى الأقل أنه لا يستطيع أن يمنع نفسه فضلاً عن غيره من مشاهدة كل ما يلتقطه جهاز التلفاز، وأن التبعة في ذلك تقع على من سمح به، ويدير دفة الحديث إلى فاصل نقد سياسي آخر وهكذا.
إذن فالخطاب السلفي الدعوي موجه في المقام الأول إلى المدعو، وما يجب عليه هو علماً وعملاً، ولا يخفى على أحد أن جمهور الدعوة هم عوام الناس، ولا يعني هذا أن من ملك نصيحة لغيرهم أن يكتمها، بل يجب عليه توجيهها، وحينئذ سوف يراعى فيها أنها خطاب لهذا المسئول أو ذاك لا خطاب عنه، وبينهما من الفروق ما يدركه كل من له أدنى إلمام بلغة الخطاب الدعوي فضلاً عن السياسي.
¥