تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن صناع الحواجز يقفون كحجرة عثرة بين الود الذي جعله الله جبلة بين الأصدقاء والإخوان، فيمنعهم من التواصل معهم ويبقون في حيز ضيق بين من يتواصلون معهم اضطرارًا لا ارتياحًا كالزوجة والأولاد وبعض زملاء عملهم وعمالهم ومن له مصلحة عندهم فحسب!.

ولنقف ـ بصدق ـ مع كل صنف من هؤلاء لنستبين حقيقة الأمر.

1ـ سوء أفعالهم: وكم عرفت في بعضهم غموضًا في الشخصية، هجومي مندفع بلا روية، بل متهور في الكلام، يفهم الكلام على غير مقصده ويلقى بالكلام على عواهنه كيفما اتفق، لا يبالى بشعور الآخرين، إنما يقول ما يوافق هواه، فمَن مِن الناس يحتمل هذا؟ ومن سيضطر يدافع عن نفسه أمام شخصٍ لا يشعر في قرارة نفسه أنه مخطئ؟!، لذا سيضطر أكثر الناس إلى الابتعاد عنه، أو هو سيبتعد من تلقاء نفسه إذا رأى الناس تنفر منه!.

ومن هذا الصنف أيضًا من يظهر الود لأصدقائه وأترابه، ويبالغ فيه أيما مبالغة تخرجه في كثير من الأحيان عن الاعتدال، فإذا ما حصلت فجوة لأي سبب كان مع أ حد أعز خلانه، أنقلب له عدوًا لدودًا وكأنه لم تكن بينهما مودة من قبل!. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك هونًا ما» (6).

وعن أسلم، عن عمر رضي الله عنه قال: «لا يكن حبك كلفًا ولا يكن بغضك تلفًا» (7) [فقلت: كيف ذاك؟ قال: «إذا أحببت كَلِفْتَ كلف الصبي (8)، وإذا أبَغضت أحببَتَ لصاحبك التِّلف».] (9).

2ـ المزاجية المتقلبة: وهذا الصنف من أعجب الأصناف لأنه لا يثبت على حال، فتارة تجده مرحًا مسرورًا، بل ربما كان مزحه شديدًا يؤذي الآخرين، وتارة تجده غاضبًا مغمومًا فينتشر الغم بين من يجالسهم لغمه وفساد مزاجه!، وتارة غريب الأطوار لا يتحمل كلمة، وهو من رمى غيره بوابل لسعه!.

فيرى أصحابه أن البعد منه غنيمة وأن أحسن أحوالهم «فر من المجذوم فرارك من الأسد»!.

3ـ شراسة الأخلاق: وهذه الشراسة إما طبع جُبل عليه، أو صفة اكتسبها من بعض لا خلاق له سواء من أصدقائه أو زملائه أو حتى إخوانه وأقاربه أو ربما والديه!.

يقول الشيخ عبد الكريم بكار ـ حفظه الله ـ: «إن كثيرًا ممن تُمارس الخشونة في تربيتهم، تنشأ في نفوسهم أحقاد دفينة، وتميل طبيعتهم إلى القسوة، ويظهرون قدرًا أقل من التسامح مع المخالفين، ومع الأفكار المباينة لأفكارهم، ولذلك فإن المربي حين يقسو على من يربيه يترك آثارًا سلبية بعيد المدى» (10).

إنا التعامل مع الإخوة الشرسين أمر في بالغ الصعوبة حيث لا يرغب أكثر في شخص لا يظهر أي تسامح معهم، ولذا تجد هؤلاء الشرسين مساكين لا يجالسون إلا القلة اضطرارًا أو من كان عنده قوة تحمل فضاضتهم وثقلهم، مع العلم أن منهم متميزون في عبادتهم وعملهم وصدقهم.

إن التعامل مع هذا القسم يحتاج إلى حكمة وصبر وتذكير بالتي أحسن حتى تدخل في قلوبهم مع التوضيح أن الأمر ليس بالأمر السهل فلا يصلح لكل أحد.

4ـ الكبر والتعالي: وهذه صفة مذمومة تسربت عند الكثيرين شعروا أو لم يشعروا، يرون لأنفسهم على الناس درجة، وهم المقدمون وغيرهم المؤخرون، يتكلمون برسمية دون عفوية حتى لا تنزل من قيمتهم زعموا.

فالواحد منهم لا يجالس إخوانه إلا بعد شفاعات وواسطات، مما يجعل الجميع يتحفظ معه من أجل زيادة احترامه ووقاره زعم، وما درى المسكين أن ذلك سمة الوضعاء لا الشرفاء، وأن سمة الوقار المتكلف لا تبقى بل تذهب أدراج الرياح!.

إن الذي ينأى بنفسه عن إخوانه الصالحين من سيجالس؟ أنا لا أقول له امضي وقتك كله مع من ضيع وقته، لكن تحتاج بين فينة وأخرى إلى تغير جو لترتاح فيه، فإذا لم يكن للإنسان إخوة يكون معهم فإلى من سيذهب؟.

حتى هذا الصنف من الناس غير مرغوب التواصل معه إلا لمن كان له عنده حاجة.

5ـ فساد النية: وهذا القسم قليل بالنسبة لبقية الأسباب لكنه ـ مع الأسف ـ موجود حتى في محيط المتدينين المستقيمين؛

يماشي الناس ويضحك معهم فإذا انتهى غرضه ولى مدبرًا ولم يعقب.

لماذا هذا الخلق المشئوم والطبع اللؤوم في بعض خلق الله؟ فوالله من كان هذا حاله فإن القلوب تمجه ولا تحبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير