تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أسماء المواد الداخلة في نطاق العلم: وبالإضافة إلى مشكلة المصطلح العلمي، فإن على المحقق أن يجهد نفسه في حل مشكلة أخرى تتصل بها، لا تقل عنها صعوبة، وهي ضبط المئات بل الآلاف من أسماء المواد الداخلة في نطاق العلم الذي يحقق مخطوطة فيه، ويزيد الأمر صعوبة أن عدداً كبيراً من تلك الأسماء من أصول لغوية غير عربية، كاليونانية، والفارسية، والهندية، واللاتينية، وسواها من اللغات السائدة في العصور الماضية، ومثل تلك الأسماء يصعب ضبطه إلا بجهد كبير، لأن نساخ المخطوطات يجهلون بالطبع طريقة تلفظها، فيصحفون حروفها تصحيفاً بيناً يصعب اكتشاف حقيقته إلا بالرجوع إلى أصل اللغة التي أخذ منها المصطلح نفسه. ومن المفيد جداً أن يرفق المحقق الاسم القديم بما يقابله من الأسماء العلمية الحديثة، وبخاصة منها الاسم العلمي الذي هو في الغالب مأخوذ من اللاتينية، لأن في هذا الإرفاق ما يسهل على القارئ، إن كان باحثاً، تحديد مكونات ذلك المسمى، إن كان حجراً، أو نباتاً، أو ظاهرة…الخ، من ثم يسهل عليه فهم مضمون النص المحقق فهماً علمياً معاصراً. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين يضع المحقق مثل هذه الشروح لمئات من الألفاظ التي قد يضمها المخطوط العلمي الذي يقوم بتحقيقه؟ هناك رأيين رئيسين، هما: 1 ـ أن توضع شروح الألفاظ والمصطلحات العلمية عند ورودها لأول مرة، ليسهل على القارئ أن يدرك منذ الوهلة الأولى معانيها، فييسر له ذلك فهم النص العلمي أينما وردت من بعد. 2 ـ أن تجمع هذه الشروح وترتب على هيئة معجم هجائي يوضع بصفة ملحق بالكتاب المحقق، وذلك ليرجع إليه القارئ كلما مر عليه هذا اللفظ. وتوسط فريق من المحققين بين الطريقين، فوضع شروحه في هوامش المتن، حيثما ورد اللفظ العلمي، ولكنه رتب معجماً بهذه الألفاظ اقتصر على ما يقابلها من الألفاظ العلمية العصرية. ج ـ الصور والأشكال التوضيحية: على المحقق أن يولي هذا الأمر جانباً كبيراً من عنايته، وذلك بأن يحرص على نشر جميع الرسوم الملونة بألوانها التي رسمت بها ما أمكنه ذلك. لأن من شأنها نشرها مجردة من تلك الألوان أن يفقدها جانباً من أهميتها العلمية، فضلاً عن أهميتها الفنية. أما الأشكال التوضيحية، وغالباً ما تكون في مجال العلوم التطبيقية، ففي وسع المحقق أن يعيد رسمها بدقة توفرها له وسائل الرسم الحديثة، على أن لا يخرج على ما أراده المؤلف من شكل. وهذا ما فعله أحمد يوسف الحسن عند نشره نماذج من تحقيقه كتاب "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل " للجزري (القرن 9هـ)، بعد أن نشر صور من نسخه للمخطوطة، بألوانها الأصلية، أعاد رسم الآلات الميكانيكية الواردة فيها رسماً هندسياً دقيقاً ملتزماً بالأصول الخطية التي أوردت صور تلك الآلات. ح ـ الاستعانة بالترجمات القديمة: الترجمة التي يقوم بها مترجم لنص علمي تعبر عن فهمه لها، لفظاً ومعنى، فإذا ما وجد محقق للنص الذي يتولى تحقيقه ترجمة قديمة قام بها مترجم إلى لغة أخرى، كان لابد له من الاستعانة بهذه الترجمة في فهم مضمون النص المذكور، وفي تحديد معاني ألفاظه ومصطلحاته أيضاً. ومن المعلوم أن كثيراً من الكتب اليونانية ترجمها العرب إلى العربية وإلى السريانية معاً، فوجود إحدى الترجمتين يفيد في تحقيق الترجمة الأخرى. ومن ناحية أخرى فإن جملة وافرة من الكتب العربية ترجمت في عصر الترجمة الأوربية إلى اللاتينية والقشتالية وغيرها، فهذه الترجمات تفيد أيضاً في تحقيق النص العربي إذا لم تتوفر نسخ مضبوطة يطمئن المحقق إليها، أو يستعين بها لتحقيق فهم أفضل للنص المذكور. خ ـ الملاحق: يسعى محقق المخطوط العلمي إلى كل ما من شأنه خدمة النص بما يوضحه للقارئ بالشرح والتوضيح، فإذا ما وجد أن المادة العلمية تستوجب مزيداً من الجهد لتوضيح أمر ما، وأن هوامش المتن تضيق بمثل تلك الجهود، لجأ إلى اصطناع الملاحق الضرورية لتحقيق هدفه، وتختلف أغراض هذه الملاحق بحسب طبيعة المخطوط نفسه، وجدة الموضوعات التي يتناولها. ومثال ذلك ملاحق عديدة، تتضمن دراسات عن الأوزان، ومدلول للاصطلاحات الاقتصادية، والموزونات، والمقادير، وجداول مقارنة بين العملات المستعملة في عصر ما، وجداول جيولوجية، والمصطلحات الطبية والكيميائية وغيرها. د ـ الفهارس: إن إضافة فهارس تفصيلية هجائية إلى كتب التراث المحققة من مكملات عمل المحقق أياً كان موضوع النص الذي يقوم بنشره، ولكنه في الكتب العلمية تأخذ الفهارس بعداً أكثر خطورة، لأن من شأن النص العلمي أن يتضمن أسماء لمواد نباتية ومعدنية وحيوانية وكيميائية وأدوية مفردة ومركبة وغيرها، ومصطلحات ذات معان خاصة، وأوزان مستعملة في العمليات المختبرية .. ، وعنوانات لكتب اعتمدها مؤلف النص المذكور، وأسماء مؤلفين من العلماء الذين سبقوه في موضوعه، وما إلى ذلك من شؤون. ومن دون فهارس تشمل كل هذه المواد وغيرها يصبح من الصعب على القارئ، والباحث، الإفادة من النص المحقق، وربما أفرد محققون مجلداً خاصاً بهذه الفهارس، حينما يكون الكتاب المحقق على جانب من الضخامة والأهمية. 3 ـ خاتمة: إن مصاعب من النوع الذي أشرنا إليه يجب أن لا يكون مثبطاً لهمم المشتغلين في تحقيق التراث العلمي التطبيقي، بل الأمر على الضد من ذلك تماماً، فإن تحقيق نص علمي فيه كشف جديد، من شأنه أن يخلد اسم محققه، فليس كالعلم شيئاً تدين البشرية له بما بلغته من تقدم، ووصلت إليه من آفاق. وإذا كان جانباً مهماً من إسهامات العرب العلمية قد بخس حقه في دراسات الباحثين المحدثين، فليس ذلك إلا لعزوف المحققين عن تحقيق نصوص التراث العلمي التطبيقية بسبب ما ألمحنا إليه في هذا البحث من صعوبات قد لا يلقاها من يعنى بتحقيق نصوص من علوم ومعارف أخرى، وقد آن الأوان لتصحيح هذا المسار، وتبديده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير