تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والكدمات والأخطاء والعيوب؛ ويتحمل منهم كل ما صدر تجاهه من تقصير في حقه الخاص، ولا يصلح لمن أراد أن يحصل المراتب العالية إلا هذه الأخلاق، وهذا الأمر حينما نتحدث عنه لا نوجه الحديث إلى قوم آخرين إنما أوجه الحديث إلى نفسي أولاً، وأوجهه إليكم ثانياً، فلا يظنن أحد أن الخطاب بهذا الموضوع يراد به غيره، بل أحضر قلبك، وفكِّر في حالك، وكن ممن يسمع لينتفع وليغيِّر، فجدد حياتك، ونقِّ أخلاقك، وقوِّم سلوكك، وارجع إلى أهلك من هذه الليلة بوجه جديد وارجع إلى أصحابك وقومك بوجه جديد وبنفس أخرى تتجاوز هذه الحظوظ الشخصية النفسانية التي تجعلك صغيراً.

هذا الموضوع يخاطب به العلماء، ويخاطب به طلاب العلم، ويخاطب به الدعاة إلى الله -عز وجل-، ويخاطب به أصحاب الولايات من الملوك والرؤساء والأمراء وكل من له ولاية صغرت أم كبرت، ويخاطب به الآباء والأمهات، ويخاطب به المربون والمعلمون وعامة الناس، يخاطب به كل طالب من طلاب الكمال، لا أحد يرضى بحال من الأحوال أن يوصف بدناءة النفس، و صغر الهمة وانحطاطها، يعيش في عطن ضيق، ونفس صغيرة، لو وجهت هذه الأوصاف لإنسان لغضب منك، وما احتمل ذلك وأباه كل الإباء، وهذا يعني أن الجميع يتفقون على استحسان هذه الصفة، وهو الشأن في الحديث عن قضايا الأخلاق، فهو حديث جميل شيق تعشقه النفوس وتنجذب إليه، ولو كانت دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- منصبة على الأخلاق فحسب دون القضايا الأخرى الكبرى (وهي قضايا التوحيد والشرك) لهتف الناس جميعاً يؤيدونهم ويتبعونهم لأنه حديث يوافق عليه الجميع، وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- يقول: "لو دعوت الناس إلى الأخلاق الحسنة وترك القبائح كالزنا والسرقة لوافقني على ذلك الجميع"، فهو حديث يوافق عليه الموالف والمخالف، وكل الناس يستحسنون ذلك ويعشقون سماعه، ولكن التطبيق شيء آخر التطبيق هو المحك الذي تتبدى فيه معادن الناس، وتنجلي فيه النفوس وتظهر حقائقها، فليست العبرة بأن يستحسن الإنسان سماع خلق حسن، إنما العبرة بالعمل والتطبيق.

ليست الأحلام في حال الرضا ... إنما الأحلام في حال الغضب

فليست الأخلاق الفاضلة أن توزع ابتساماتك في حال الرضا مع أصحابك وجلسائك؛ إنما الأخلاق الصحيحة الحقيقة هي أن تسموا بنفسك في جميع الظروف والأحوال، وتترفع عن الدنايا وسفساف الأمور، وهذه هي الأخلاق التي ينبغي أن يكون الإنسان عليها، وقد وصف الله -عز وجل- نفسه وسمى نفسه بـ" العَفُوْ"، والعفو صفة من صفاته وهي صفة عظيمة كريمة تعني التجاوز عن الذنب والزلة، وعدم المؤاخذة بالجريرة، وترك المعاجلة بالعقوبة، فهو عفو حليم كريم يحب العفو، نسأله -تبارك وتعالى- أن يتغمدنا جميعاً بعفوه وكرمه ولطفه وحلمه. أيها الإخوة: ينبغي لكل واحد منا أن يسأل نفسه بعدما عرف توصيف هذه الخلة: هل هو من أصحاب النفوس الكبيرة؟ هل هو متحلٍ حقيقة بهذا الوصف الذي اجتمعنا من أجل الحديث عنه، أم أنه قد قصر في هذا الباب تقصيراً بيناً، فأدى ذلك، وأثر أموراً سيئة مستهجنة من عداوات وأحقاد، وتربص بتصفية الحسابات مع هذا أو ذاك؛ وكثيراً ما يختلط علينا الأمر بين الانتصار للدين وبين الانتصار للنفس، فأحياناً يخرج الإنسان غاضباً يريد الانتصار والانتقام، ويريد الإيقاع بخصومه ومخالفيه، ويخرج بوجه مكفهر، وهو بذلك قد تلبس وتدثر بدثار يقول فيه إنه ينتصر للدين والعقيدة والإيمان، ويفعل ذلك غيرة على شرائع الإسلام، فيلتبس الأمر عليه بين الانتصار لنفسه وبين الانتصار لدين الله -تبارك وتعالى- كما يلتبس كثيراً علينا أمر العزة وأن المؤمن عزيز فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، كثيراً ما تلتبس هذه العزة عزة النفس مع الانتقام والرغبة في الاقتصاص ممن جنى علينا بعض الجنايات، فلربما صدر منا ما لا يليق تحت مظلة "عزة المؤمن"، وأنه لا يقبل الضيم ولا يرضى بالذل، وأنه ليس من الهوان في شيء، فينتصر لنفسه، ولربما بالغ في الانتصار تحت مسمى "عزة المؤمن" {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [سورة الشورى:39]، وما علم أن جميع الآيات القرآنية تذكر فضل العفو والصفح والمسامحة والإغضاء {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير