تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت: 34] ولكن من يطيق ذلك {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [سورة فصلت: 35] ويأتيه الشيطان يحركه لينتصر لنفسه زاعماً أن ترك هذا الانتصار من العجز والخور، وأن الناس يعيرونه بالضعف ويلمزونه بالنقص {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة فصلت: 36] فهذه الآيات خاطبنا الله -عز وجل- بها من أجل تقويم هذا السلوك، وتصحيح المفاهيم، وما هو الواجب المتعين على الإنسان؟ وما هو الفضل؟ وكيف يرتقي الإنسان بنفسه؟ وكيف يغلق على الشيطان مسالكه فلا يفسد عليه ما يرنو إليه من إصلاح القلب والعمل؟

أيها الإخوة: سأذكر لكم نماذج كثيرة تدلل دلالة أكيدة على أن ثمة قصوراً كبيراً وخللاً واضحاً على جميع المستويات عند الدعاة إلى الله وعند عامة الناس، وعند الأزواج وعند الزوجات، وعند الجيران وعند المربين، وعند المصلين وفي جميع فئات المجتمع -إلا من رحم الله عز وجل-، أمثلة تبين لك حالنا مع حال أولئك الذين قد ربوا أنفسهم وتجاوزوا حظوظ النفس، ولم أعتن في هذا الحديث بالكلام على خصائص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب، فهي خصائص كبرى، وأخلاقه -صلى الله عليه وسلم- ملخصة لنا بعبارة مختصرة " كان خلقه القرآن " كما قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -، فماذا تظن في رجل كان خلقه القرآن إلا اتساع الصدر، ومجاوزة حظوظ النفس، والترفع عن الأخلاق الدنيئة السافلة الهابطة، فلو تحدثنا عن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما وسعنا هذا المجلس، ثم إن تخصيص الحديث عن أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب خاصة لربما يكون مدخلاً لقائلٍ حيث يقول: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نزع الله -عز وجل- منه حظ الشيطان، وهو صغير صبي مسترضع في بني سعد، أخرج منه علقه حينما شق صدره -صلى الله عليه وسلم-، ثم شق صدره -صلى الله عليه وسلم- ثانية في قصة الإسراء والمعراج، وغسل قلبه -صلى الله عليه وسلم- ولغاديده بماء زمزم في طست من ذهب فطهر تطهيراً، فمن كان بهذه المثابة فلا شك أنه أعظم الناس خلقاً، وأكثرهم حلماً، وأطيبهم نفساً، فقد يحتج محتج فيقول: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد طهره الله هذا التطهير فأنى لنا بذلك؟ ولهذا ذكرت نماذج أخرى من حال سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- في أبواب شتى لئلا يكون لمعترض اعتراض أو حجة، والمقصود هو أن نعالج النفوس -أيها الإخوة-، ونقطع دابر الشيطان، فأقول: ذكرت نماذج قليلة من حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمور معينة قصداً من أجل أن هذه الأمور لو كانت مع غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لربما ردها بعض من لا زالت نفوسهم تعاني من رواسب الجاهلية، ولربما لو نسبت إلى غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لربما تجرأ بعض هؤلاء إلى لمز من وقع منه كما سترون في أمثلة أوردها في هذه المحاضرة، اختبر نفسك حينما تختلف مع قوم في مسائل علمية من قضايا الاعتقاد من أهل الأهواء والبدع والضلالات، فهؤلاء كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة أن من كان الإيمان منخرماً في قلبه فإنه لا محل لموالاته {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سورة المجادلة: 22]، فالكافر لا محل لموالاته، وأما من جمع بين عمل صالح وسيء في باب الشبهات والبدع والضلالات، أو في باب الشهوات كالمعاصي؛ فإن هؤلاء يتجزأ الولاء والبراء معهم، فعقيدة أهل السنة والجماعة محكمة في هذا الباب وهي: (أن نحب الإنسان على قدر ما فيه من الإيمان وإتباع السنة؛ ونبغض الإنسان على قدر ما فيه من الانحراف والضلال والبعد عن طاعة الله -عز وجل-)، ويختلط علينا الأمر حينما نقف وجهاً لوجه مع من ابتلوا بشيء من التقصير في حق الله -عز وجل- بسبب شبهة أو شهوة، فيظن الظان أنه أحياناً يتصرف التصرف الشرعي انتصاراً للدين، والواقع أنه ينتصر لنفسه، ولربما قال بعض هؤلاء في حق فلان من الناس قولة لا تليق، ولربما أساءوا إليه ووقعوا في عرضه فبلغه بذلك فشمر عن ساعد الجد ينتصر لنفسه، ويجلب عليهم بخيله ورجله وهو يزعم أنه ينتصر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير