والصورة هنا حسية ـ لأن الإنسان يشعر بالنسيم على بشرتهِ ـ
ويستمر أديبنا في بسط ثوب نواله لمحبوبته الأثيرة عنده:
21 ـ عطر الربيع المطرز بالنور
هل هناك أجمل شذى من عطور الربيع التي تفوح بكل ألوان الحياة والتي تتدفق ُ أريجا في الأرجاء لتمنحَ الإحساس بالمتعة واللذة الحسية ـ حاسة الشم ـ ولكن شاعرنا أضاف لهذه الصورة صورة مرئية حين مزج بين الشم والبصر بإضافته للنور تطريزا لأريج الزهور , فجعل الصورة أكثر جمالية وأعمق تأثيرا وأبهى متعة وهل هناك أجمل من النور المتلون بألوان الربيع المُبهجة للروح.! وكلمة المطرز توحي بجمال الربيع وزهوره وبديع ألوانه فكأنها ثياب لشخص طُرزتْ بأبهى الألوان لتكون أحلى حُلة.
ومَن غيرُ الربيع ِيملك تلك السمات وهذا القدْر من الألوان ليكّونَ خيوط مُختلفة بعددِ الألوان التي يمتلكها ليُظهرَ لنا حُلّة متلونة بديعة تسمو بالضياء. حيثُ ينبثق من شذى زهوره النور ليُشكل لوحة ولا أجمل. هو عطر نوراني!
22 ـ بحرا من اللازورد
23 ـ بلون عيوني
هو لن يبخلَ عليها وكيف وهي محبوبته التي ملكت قلبه فيعِدَها أن يمنحَها بحرا من اللازورد, وهو حجر كريم مُشع له بريق زاهي أخّاذ يخطفُ الأبصار ,ليمنحَ الجمال والبهاء. والشاعر هنا يعرضُ وسامته لمحبوبته ـ وما الذي يمنع وهو الساعي لها لينال حنوها وحبها ـ فلون عينيه بلون اللازورد البحري فكأن البحر منحه لون عينيه وأرى أن هذه الصورة اللونية ـ البصرية ـ تدل على تعلق الشاعر بالبحر فهو ابن الإسكندرية الذي يتعلق بأهداب بحرها ويفتتِن بأمواجها الهادرة.
ولون زرقة عينيه الساطعة كاللازورد مُستمد من الإسكندرية. وهنا تظهر أصالة الشاعر المُعاصر لبيئته الذي يتنفس أجواءها , ويُعبر عن سماتها.
كما أن هذه الأحجار الكريمة تعني مدى غِنى وعمق نظرة الشاعر اللتين رأى بهما محبوبته واختارها بهما ـ كعمق البحر الذي ربطه بهما ـ فالنظر أيضا هو نور البصيرة. وكنز ثمين للإنسان.
24 ـ سأعطيك ِ صهوة هذا الجواد ِ ـ
25 ـ المطهم ِ بالحب ِّ
وأخيرا شاعرنا يناجي محبوبته ويعاهدها أمامنا علنا وعلى مرأى من كل الآخرين بأنه سيكون الرجل الحقيقي لها والذي تعتمد عليه لتسيرَ معه ُ, وتخوض معه كل مراحل الحياة الصعبة ,فهو الجواد الذي تلوذ إليه عند معارك الحياة ومصاعبها.
نلاحظ هنا أن أفعال المستقبل أتتْ كثيفة في هذا المقطع وهذا يدل على تفاؤل الشاعر بمستقبله حين يرتبط بهذه المحبوبة التي تستطيع أن تُسعده كما هو قادر على أن يُسعدها. فهو شخص متفائل ينظر للمستقبل وكان الدافع في هذه العاطفة المندفعة للمستقبل هو حالة الحب التي يحياها الشاعر بتوهج يشهدُ بهِ النص.
وكلمة صهوة هي أقوى عضلات الجواد لأنها هي العضلة التي يمتطيها الفارس في قيادته له, ومما لا شك أنّ هذه الصورة الفنية تدل على صلابة شخصية شاعرنا وقوة نفسه وصمود روحه.
ولكن هذا الجواد ما يُميزه عن بقية الخيول هو أنه جواد مُحلى بالحب فيزيده قيمة وجمال وتميز
إنه يمنح الحب , وهل الكل يمنحه؟!!
ولكي يؤكد لمحبوبته ويُعمِق في نفسها قدرته على إسعادها وصدق مشاعره الفياضة يقول لها:
26 ـ في زمن تتراجع فيه الخيول ُ ..
27 ـ عن الكرِّ والفرِّ ....
إنه مختلف عن غيره بل هي لنْ تجدَ سواهُ يَمنَحها الحُب والسعادة لأن بقية الرجال ـ الخيول ـ
تراجعتْ شجاعتها في حين هو استأثر بالشجاعة والبطولة في ساحة العشق والحب الحقيقي الذي يكتنفه العطاء والبذل للمحبوب في زمن عزّ فيه العطاء بأشكاله.
وهو يُعبر عبر هذه الصورة الرمزية إلى أفول الرجولة عند الرجال في عصرنا الحاضر, وخفوت أنجم الشهامة والمنح والبذل فيهم وفي هذا الزمن الرديء!.
وفي هذا المقطع اعتزاز الشاعر برجولته فهو الرجل الذي يبذل ويمنح ويُكرم. وهذا لسان حاله مع كل مَن يعرفه , فهو الموشوم بالكرم والعطاء والبذل.
فهو الرجل الذي لا يأتي محبوبته من ضعف ,بل مِن قوة يستحقُ معها الحب من محبوبته.
إنه يعرض أهليته وأحقيته بالظفر بها.
بينما:
28ـ تختال فيه بُغاث الطيور ِ
صورة تدل على مدى الوهن الذي أصاب البعض حتى أصبحَ كالطير الحقير.
يتملكهم الغرور ـ القرينة تختال ـ بلا قيمة حقيقية تصدُرُ منهم!
¥