[تأريخ علم الأصوات]
ـ[عبدالله فهد الدوسري]ــــــــ[01 - 06 - 2005, 09:40 م]ـ
و قبل البدء بتتبع الأطوار التأريخية لعلم الأصوات يحسن بنا التعريف بهذا العلم لإعطاء الصورة الواضحة عن مادته و اتجاهاته، و مستوياته، و كل التعريفات التي تناولت هذا العلم متفقة في الجملة، فهو العلم الذي يدرس الصوت الإنساني من وجهة الدرس اللغوي.
و هذا التعريف على وجه العموم صادق على كثير مباحثه و مسائله، و إن كان هذا لا يلغي بعض الاضطراب الناشئ في تحديد بعض مصطلحاته، و اتجاهاته بين الباحثين، و المهتمين به، هذا بالإضافة إلى استفادته - كما أشرنا من قبل - من علوم أخرى ليست من صميم البحث اللغوي و الصوتي.
و عليه فموضوع علم الأصوات هو الكلام، أو اللغة المنطوقة من جهة الكشف عن أصوات اللغة، و نظامها، و إنتاجها، و إدراكها، و صفاتها، و خصائصها الإفرادية، و السياقية و وظائفها، و تنوع صورها الأدائية.
و هذا العلم أخذ حظاً لا بأس به من البحث في العصور المتقدمة، كما تجده عند الهنود و الرومان و العرب، و اختلفت جهودهم من حيث الكم و الكيف، إلا أنها في جميع الأحوال لم تكن بقدر السعة التي تناولوا فيها باقي المستويات اللغوية الأخرى.
و يرى جمع من الباحثين أن البداية الحقيقية للبحث الصوتي تبدأ من اختراع الكتابة من خلال تصوير الكلمات و المعاني، فمن أجل الكتابة كان التحليل الصوتي، و البحث الصوتي، و نستعرض في عجالة تليق بهذا المبحث الجهود الصوتية عند القدماء في مختلف اللغات، و ما تميزت البحوث الصوتية إلا عند الهنود و اليونان و العرب، فهؤلاء هم الذين أمكن الوقوف على آثارهم و تراثهم اللغوي دون غيرهم من الأمم الذين كانت مباحثهم دون ما توصل هؤلاء الأمم.
فقد تناوله الهنود من قبل تحت تأثير الرغبة في إجادة ترتيل طقوسهم الدينية، و تجويد أداء كتابهم المقدس المعروف باسم (الفيدا Veda ) ، و كان منهم (بانيني Panini ) في القرن الرابع قبل الميلاد، الذي قدَّم تحليلاً وصفياً لصوتيات لغة الهند القديمة، و بيان مقاطع الكلمات في النطق، و دراسة التراكيب اللغوية، و كان له الأثر البالغ في جهود اللغويين الغربيين في الدرس الصوتي الحديث.
أما اليونانيون فالمادة الصوتية نجدها في مقالات متناثرة عند أفلاطون، و أرسطو، و يحسب لهم في هذا الشأن تقسيمهم الأصوات اللغوية إلى أصوات صامتة، و أخرى صائتة، كذلك اعتناؤهم بوضع رموز للأصوات الصائتة، التي لا تهتم بها كتابة اللغات السامية، إلا أن الغالب على الآراء الصوتية عند اليونانيين أنها تقوم على ملاحظات الآثار السمعية التي تتركها الأصوات في الأذن، و إهمالهم للأسس الفسيولوجية في تكوين الأصوات المختلفة، كما أنهم لم يفطنوا إلى تقسيم أصوات لغتهم إلى مجهورة و مهموسة على عكس ما عند الهنود و العرب.
أما الجهود الصوتية عند العرب فقد بلغت مبلغاً لم تبلغه البحوث الصوتية عند الهنود أو اليونانيين، و الاهتمام بالبحوث الصوتية عند العرب جاءت نتيجة لجهود السابقين في ضبط تلاوة القرآن الكريم و حسن أدائه، يضاف إلى هذا أن للصوت في اللغة العربية في رحاب القرآن الكريم قيمة فنية خاصة تمثلت من خلال المعايير التي وضعت لضبط هذا الصوت، و إجادة أداءه ثم لا ننسى أن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أسهم بشكل كبير على اجتهاد اللغويين في معرفة و إدراك القيمة الصوتية للغة العربية للوصول لتعليم الأعاجم لغة القرآن الكريم.
و الذين مهدوا لظهور الدرس الصوتي عند العرب هم النحويون الذين كانوا في الأصل من قراء القرآن الكريم و مقرئيه، و هي القراءة التي تلقوها عن شيوخهم بسند متصل إلى النبي صلى الله عليه و سلم، و يتمثل هذا من خلال جهود الخليل بن أحمد، و تلميذه سيبويه في عمله الجبار الكتاب، و خاصة في مباحث الإدغام، و من جاء بعدهم من العلماء الذين سنتناول جهودهم بشيء من التفصيل في المبحث التالي.
ـ[أبو سارة]ــــــــ[02 - 06 - 2005, 05:21 ص]ـ
جزيت خيرا
متابعون