[تجديد الإعراب أم هدم النحو؟]
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[14 - 06 - 2005, 05:41 م]ـ
المقدمة:
أجمعت الروايات التاريخية على أن العرب قد أحسوا في منتصف القرن الأول الهجري بخطر يهدد لغتهم، وخاصة حين امتد هذا الخطر إلى النص القرآني، وذلك بسبب شيوع اللحن على ألسنة الأعاجم والموالي، ومنه إلى ألسنة أبناء العربية؛ فكان اللحن سبب النظر في اللغة والبحث فيها عند العرب.
وتستند معظم الروايات التاريخية إلى أن أبا الأسود الدؤلي (ت 69 هجرية) هو أول من فكر في دفع خطر اللحن عن النص القرآني واللغة؛ وذلك بوضع النقط التي تدل على الضمة والفتحة والكسرة على أواخر الكلمات. ولكن البعض شكك في نسبة علم النحو إليه في هذا الوقت المبكر في غيبة المادة اللغوية، وغيبة العقل العلمي الذي يقوم على التحليل والتبويب والتصنيف.
إن عملية المراجعة والتقويم لقرن من الدرس النحوي، على امتداده وخطورته زمانا وإنجازا، تقتضي عدم إغفال أي فئة ممن كتب لهم أن يدرسوا هذا العلم، كما تقتضي استحضار كل ما قيل في هذا العلم نقدا وتوجيها وإطراء، باعتبار أن المراجعة مطلب حضاري، وشرط من شروط أي نهضة، ودليل حياة وحركة بالنسبة للأمم والمجتمعات.
لقد مثل القرن الماضي فترة تلمست فيها الأمة العربية والإسلامية خطوات النهضة والانبعاث والمواكبة العلمية، كما جسد الفترة الذهبية للتحقيق والدرس المتوسلين بجميع المناهج والاتجاهات والنظريات، وكان للتجديد في النحو العربي - كغيره من العلوم - حضور قوي ومتميز لدى الأفراد والمؤسسات.
ففي عصرنا الحالي كثر الكلام حول موضوعات النحو العربي، بعضها نُسب إلى النحاة فيها الوهم والخطأ في الاجتهاد، وأنهم لم يوفقوا إلى الحكم السليم فيها، وذلك كعدّهم تاء التأنيث الساكنة حرفا، والصواب أن تكون ضميرا شأنها شأن التاء المتحركة؛ إذ هي لا تختلف عنها، وكعدم عدهم ما يسمى حروف المضارعة ضمائر، وذلك نحو أكتب ونكتب وتكتب ويكتب مع أنها لا تختلف عن الضمائرالأخرى في الدلالة على التكلم والخطاب والغيبة، وكتقدير ضمير مستتر في فعل الأمر، وذلك في نحو (اذهب) مع أنه لا يحتاج إلى مثل هذا التقدير، وكإفراد باب لنائب الفاعل مع أنه فاعل في الحقيقة؛ إذ لا فرق بين انكسر الباب وكُسِر الباب.
وبعضها نُسب الخطأ فيه إلى جمهورهم، وذلك نحو منعهم تقدم الفاعل على الفعل في نحو: (محمد حضر)؛ إذ لا فرق بين (حضر محمد) و (محمد حضر)، فلماذا يكون (محمد) في الأولى فاعلا، ولا يكون فاعلا في الثانية، مع أنه هو من قام بالفعل في التعبيرين؟.
وبعضها نُسب الحكم فيها نسبة غير صحيحة، وذلك نحو ما نسب إلى الكوفيين من عدّهم منصوب كان حالا لا خبرا لها، وأنهم لا يقسمون الأفعال على تامة وناقصة، بل كلها تامة عندهم، وكذلك القول في ثاني منصوبي ظن وأخواتها، وهاتان المسألتان من المسائل الخلافية التي أوردها ابن الأنباري في الإنصاف، وقد وقع في هذا الوهم كثير من النحاة، وتابعهم عليه المحدثون، فعدوه أمرا مسلما. (تحقيقات نحوية ص5).
وما إلى ذلك من المسائل التي تحتاج إلى تحقيق ,إنعام نظروإمعانه.
نشأة اللغة العربية الفصحى:
اللغة العربية إحدى اللغات السامية، انشعبت هي وهن من أرومة واحدة، نبتت في أرض واحدة، فلما خرج الساميون من مهدهم؛ لتكاثر عددهم اختلفت لغتهم الأولى بالاشتقاق والاختلاط، وزاد هذا الاختلاف انقطاع الصلة، وتأثير البيئة، وتراخي الزمن حتى أصبحت كل لهجة منها لغة مستقلة.
ويقال إن أحبار اليهود هم أول من فطن إلى ما بين اللغات السامية من علاقة وتشابه في أثناء القرون الوسيطية، ولكن علماء المشرقيات من الأوروبيين هم الذين أثبتوا هذه العلاقة بالنصوص حتى جعلوها حقيقة علمية لا إبهام فيها ولا شك.
والعلماء يردون اللغات السامية إلى الآرامية والكنعانية والعربية، كما يردّون اللغات الآرية إلى اللاتينية واليونانية والسنسكريتية. فالآرامية أصل الكلدانية والأشورية والسريانية، والكنعانية مصدر العبرانية والفينيقية، والعربية تشمل المضَرية الفصحى ولهجات مختلفة تكلمتها قبائل اليمن والحبشة. والراجح في الرأي أن العربية أقرب المصادر الثلاثة إلى اللغة الأم؛ لأنها بانعزالها عن العالم سلمت مما أصاب غيرها من التطور والتَغير تبعاً لأحوال العمران.
¥