تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[غاياتنا من تعلم اللغات الأجنبية]

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[12 - 09 - 2005, 10:44 م]ـ

[غاياتنا من تعلم اللغات الأجنبية]

د. صالح الحسن

في حياتنا العربية المعاصرة، نرى حرصا عارما على تعلم اللغات الأجنبية، وفي المقابل، نجد زهدا متزايدا في تعلم العربية، وإجادتها من قبل أبنائها. فما السبب في هذا الوضع الجائر في حق لغتنا؟

للإجابة على هذا التساؤل يحسن بنا العودة إلى بدايات النهضة الحديثة في وطننا العربي حينما حاول المستعمرون على شتى ألوانهم إخضاع العرب لسيطرتهم التامة عسكريا واقتصاديا، ومن ثم فكريا، فرأوا أن ذلك مستحيل لارتباطهم بدين لا يرضى الهوان لأبنائه، ثم وجدوا أن هذا الشعب يقرأ قرآنه باللغة التي أنزل بها، فلا ينسون مبادئه مهما تقادم العهد به، فتيقنوا معه استحالة احتوائهم إلا بعد القضاء على كتابهم الذي يذكرهم بعقيدتهم آناء الليل وأطراف النهار. لكنهم وجدوا أن ذلك الهدف مستحيل التحقيق أيضا؛ لتعلق المسلمين بقراءة القرآن وتدبر معانيه. فما كان منهم إلا أن عمدوا إلى سبيل آخر وإن كان طويل الأجل، إلا إنه هو الوحيد الذي سينسي المسلمين قرآنهم، ومن ثم تتم إذابتهم فلا يبقى لهم باقية. وكانت هذه الوسيلة هي صرفهم عن لغة القرآن، حتى لا يقرؤوه، ومن ثم يستعصي عليهم إدراك ما فيه من عقيدة وتشريع.

وفي سبيل إبعاد العرب والمسلمين عن لغة كتابهم عمدت قوى الاستعمار إلى وسائل عدة، لعل أبرزها الدعوة إلى العامية في كل قطر عربي، واتهام العربية بالقصور في الوفاء بمتطلبات الحياة المعاصرة، وأخيرا فرض لغة المستعمر تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب. وعندما خرج المستعمرون من بلاد المسلمين كانوا قد زرعوا بذرة الشك في مقدرات العربية، فزعموا أنها لغة القديم البائد، بعد أن أبعدوها عن الحياة الثقافية والعلمية. وفي المقابل ربطوا لغاتهم بالتطور والتحضر، وانطلت الحيلة على الكثير من أبناء العربية، فزهدوا في لغتهم وانبهروا بلغات المستعمر، وأقبلوا عليها دراسة وإتقانا، وأصبحت معرفة اللغة الإنجليزية أو الفرنسية هدفا لكل إنسان، يدفع فيه الغالي من وقته وماله! فإذا سألته عن السبب، فإنك لن تجد إلا إجابات غير مقنعة من أغلبهم، تنبئ عن إعجاب بالغرب وولاء فكري يصل إلى حد التبعية المطلقة لأهل تلك اللغة.

بين الحضارة والمدنية

ونحن في هذا المقام لا نشكك في أهمية تعلم اللغات الأجنبية عامة، بل قد نرى ضرورة ذلك، إن لم يصل إلى حد الوجوب، حسب موقع الشخص من حركة التنمية ومطالب المدنية. فنحن نحتاج إلى تعلم اللغات الأجنبية بسبب حاجتنا إلى تلافي ما ينقص حياتنا العلمية العربية المعاصرة، وهو نقص لا نستطيع تداركه إلا عن طريق اتصالنا بالغرب والأخذ منه. لهذا يحسن بنا تحديد هذا القصور الذي نحن بحاجة إلى تداركه، بعد أن نحدد ما هو موجود لدينا وما ينقصنا.

وفي هذا المضمار يكثر الحديث في الأوساط الثقافية عن حاجتنا للغرب، حتى نلحق بركب الحضارة، ويعنون بها - طبعا - الحضارة الغربية التي تبدوا حضارة تبشر بحياة هانئة رغيدة، نظرا لأن هذه الكلمة ترادف في الأدبيات العلمية العربية لفظة العلم والتطور، إلا أن المفكرين العرب المعاصرين يرون أن هذا خلط في المفاهيم أدى بنا إلى نقص في معرفة ما لدينا وما نحتاجه فعلا من الغرب، ففي مقاربة للفظة الحضارة ومدلولها للدكتور سمر روحي الفيصل، يعرض مفهوم الحضارة والمدنية، مسترشدا برأي الدكتور محيي الدين صابر فيهما، حيث يرى أن الحضارة ليست مرادفة للعلم، بل هي قيمة جذرية عليا، ونظام شمولي للقيم والمعارف والخبرات، فهي تتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق ... ، أما ذلك النشاط الإنساني في غزو ميادين الطبيعة عن طريق العقل وفي محيط العلم والفنون الصناعية فهو المدنية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير