تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية]

ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:23 ص]ـ

مستقبل اللغة العربية

.........................................................................................

مقدمة

[لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية]

مشروع الإيسيسكو لكتابة اللغات الأفريقية بالحرف العربي

اللغة العربية .. قضية وجود

اللغة العربية ... إلى أين؟

توصيات الندوة الدولية حول اللغة العربية ... إلى أين؟

...........................................................

الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

..................................................................................................

منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1425هـ/2004م

[لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية]

يجمع علماء اللغة وفقهاؤها على حقيقة لا شك فيها قط، وهي أن اللغة، من حيث هي لغة، كائن حي، يخضع لقانون النمو ولسنة التطور.

إنّ التطوّر أصلٌ أصيلٌ في حياة اللغة بما هي كائن اجتماعي، وأساس التطور هو الوجود البسيط أولاً، ثم النماء المترقي ثانياً، وخلال هذا الانتقال يتكون الكائن مترقياً، ويتغير تغيرات مندرجة (1).

ولكننا لا نذهب إلى أبعد مدى في التسليم بهذه المقولة، أو لنقل بعبارة أدق، إننا لا نفهم التطور بمعنى القطيعة مع التراث، والاقتلاع من الجذور، وتجاوز الأصول والثوابت. ولذلك فإنَّ الرأي الذي نعتمده في هذه القضية، هو تطور اللغة في إطار خصائصها وضوابطها، وبمنهجية يضعها اللغويون.

وليس في حرصنا على الالتزام بهذه المنهجية حجرٌ على الفكر اللغوي، أو ضربٌ من التزمت والانغلاق والانكفاء على الذات، وإنما هو الانضباط الذي يقتضيه تعاملنا مع هذه القضية، والاحتياط الذي يستوجبه قيامنا بواجبنا تجاه لغتنا.

وإلى ذلك، فإن للتطور اللغوي مستويات؛ المستوى الأول، تطوير اللغة من الداخل، ونقصد به مسايرة نموّ المجتمع ومواكبة تطوره، من خلال الاشتقاق والنحت والتجوز والتوليد والتعريب، وهذا الضرب من التطوّر بطيء بطبيعته، قد لا يشعر به أهل اللغة في جيل أو عدة أجيال، لأنهم يعيشونه ويندمجون فيه، وإنما تشعر به وتلمسه الأجيال اللاحقة. أما المستوى الثاني، فهو تطوير اللغة من الخارج، ونقصد به التأثيرات الضاغطة التي تفرض التصرّف في اللغة قلباً وتحويراً، وحذفاً وإضافة، وإفساداً وتشويهاً، وخروجاً على القواعد المتبعة والأصول المعتمدة، وهذا الضرب من التطور قَسْريٌّ وقهريٌّ، لأنه مفروض بقوة الواقع، أو تحت تأثير غزو فكري يستصحب غزواً لغوياً.

كذلك هو النموّ الذي قد تعرفه لغة من اللغات، فهو لا يكون نموًّا سليماً بصورة مطردة، وإنما قد يكون نموًّا عشوائياً يفسد اللغة ويدمّر أركانها.

ولم تعرف اللغة العربية عبر تاريخها الطويل ما تعرفه اليوم من سرعة في النموّ، واندفاع في التطوّر ومسايرة المتغيرات، بحكم عوامل كثيرة ونتيجة لأسباب متعددة، لعلَّ أقواها تأثيراً، النفوذ الواسع الذي تمتلكه وتمارسه وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، والذي يبلغ الدرجة العليا من التأثير على المجتمع، في قيمه ومبادئه، وفي نظمه وسلوكياته، وفي ثقافته ولغته، وعلى النحو الذي يفقد بعض المجتمعات هويتها الحضارية، وينال من خصوصياتها الثقافية، وفي المقدمة منها الخصوصية اللغوية.

إن العلاقة بين اللغة والإعلام لا تسير دائماً في خطوط متوازية؛ فالطرفان لا يتبادلان التأثير، نظراً إلى انعدام التكافؤ بينهما، لأنّ الإعلام هو الطرف الأقوى، ولذلك يكون تأثيره في اللغة بالغاً الدرجة التي تضعف الخصائص المميزة للغة، وتُلحق بها أضراراً تصل أحياناً إلى تشوّهات تفسد جمالها.

وإذا كان لكلّ علم وفن وكلّ فرع من فروع النشاط الإنساني لغة خاصة به، بمعنى من المعاني، فإن اللغة في الإعلام تختلف، من وجوه كثيرة، عنها في تلك الحقول من التخصصات جميعاً، فهي في موقف ضعف أمام قوة الإعلام وجبروته، فقلما تفرض اللغة نفسها على الإعلام، وإنما الإعلام هو الذي يهيمن على اللغة، ويقتحم حرمها، وينال من مكوّناتها ومقوماتها، فتصبح أمام عنفوانه وطغيانه، طيّعة لينة، تسير في ركابه، وتخضع لإرادته، وتخدم أهدافه، ولا تملك إزاءه سلطة ولا نفوذاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير