[اللفظ والمعنى في لغة التنزيل]
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 05:49 م]ـ
:::
[اللفظ والمعنى في لغة التنزيل]
لعلي غير مفرّط لو أني قلت ((نظرية الشكل والمعنى)) وذلك في الكشف عن أشكال نحوية عربية قديمة. وتعني ((النظرية)) النمط النحوي الذي درج عليه المعربون القدماء في عربيتهم الفصيحة، ولعل شيئاً من هذا ((النمط)) مما لم يعرض له النحاة الأقدمون.
عرف الدارسون للنحو القديم وغيرهم من الذين اقتصروا في درسهم على النحو المدرسي، مادة في باب ((التوابع)) هي ((النعت السببي)) كقولهم: ((مررت بزيد العظيم أبوه))، فالعظيم نعت سببي وهو يصف موصوفاً له علاقة بالمتبوع، ولكنه يتبع في ((إعرابه)) المتبوع الذي يسبقه، ومن أجل هذا سُمّي ((النعت السببي))، وهو يقابل النعت الحقيقي الذي يصف المتبوع ليس غير.
أقول: وموطن الإشكال في هذه المقولة النحوية ما فيها من نقض للإسناد الذي تقدم عليه الجملة في العربية، وذلك أن ((العظيم)) في الجملة الآنفة الذكر ((مسند)) وأن ((أبوه)) مسند إليه، فكيف يكون ((العظيم)) تابعاً في إعرابه للمتبوع وهو ((زيد))؟
فهل لنا أن نقول: إن الجرّ في كلمة ((العظيم)) خطأ وصوابه الضم لأنه مرفوع باعتبار الإسناد؟ لا، لن نقول هذا لأن المعربين قد درجوا على الجر، وكلامهم حق، وما انطلق به المعربون هو العربية، فكان على النحاة أن يجدوا تفسيراً فيعملوا اجتهادهم في ذلك.
ولو أنهم ذهبوا إلى غير ما ذهبوا إليه في موضوع ((السببي)) لأدركوا أن حكاية هذه المسألة كحكاية اللغويين في مسألة ((جُحر ضبّ خَرب))، فقد قالوا في جرّ ((خَرب)): إن ذلك للمجاورة.
أقول: ربما كان قولهم بـ ((المجاورة)) داخلاً في الذي أسميته ((الشكل))، وأعني أن المُعرب يستحسن المشاكلة بين ((خَرب)) والاسم الذي يسبقه وهو ((ضَبّ)). ومن هنا كانت ((المجاورة)) التي قال بها اللغويون هي ((المشاكلة))، وهي ما دعوته بـ ((النظر إلى الشكل)).
وهذا النظر إلى ((الشكل)) هو الذي دفع أبا جعفر يزيد بن القعقاع أن يقرأ: ((سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً)). في حين ذهب جمهور القراء إلى عدم التنوين في ((سلاسل))، وهو الأصل.
هذان نموذجان روعي فيهما ((الشكل))، وعلى هذا أيجوز لي أن أقول في جر ((العظيم)) في قولي: ((مرت بزيد العظيم أبوه)): إن مراعاة الشكل قد جرى عليها المعربون على أنها من طبيعة اللغة.
وبعدُ، فهل لي أن أقول بهذا النظر إلى ((الشكل)) فأجري عليه قوله تعالى: (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها)، وهو القول بالجوار، واحتساب الجر للمشاكلة ابتعاداً من اللجوء إلى ((السببيّ)) الذي أشرت إليه آنفاً. ومثل هذا ما ورد في قوله تعالى: (ثم يُخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه).
وقد ينبري غير واحد من الدارسين فيردّ عليّ قولي هذا بالجوار الذي صرفته إلى ((المشاكلة)) متذرعاً بما قال النحاة بـ ((السببيّ)).
وما أريد أن أفسد على هذا الذي يتصدى راداً عليّ بقولي: إن الذهاب إلى ((المشاكلة)) بسبب الجوار يصرفنا عن افتعال شيء يقوم على أساس فاسد، وهو إذا كان النعت لمنعوت معروف فكيف يكون إعرابه مبطلاً لهذه العلاقة النحوية في الإسناد؟ والمشاكلة شيء جَرَت عليه العربية في مواضع كثيرة كما سنرى.
ولنعرض للمواد التي جاءت في لغة التنزيل مرتبة على حروف المعجم:1
1 ـ أمة:
وقد وردت موصوفة بصفة مؤنثة نحو قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدةً).
وفي وصف ((الأمة)) بـ ((واحدة)) مراعاة للفظ، وهي المطابقة بين المؤنث الموصوف والمؤنث الصفة.
وهذه المرعاة لجانب اللفظ هي ما دعوته ((النظر إلى الشكل))، وليس من ضير أن تدخل ((المشاكلة)) فيه. وقد وُصفت ((أمة)) بصفة لا يتحقق حملها على جنس معين مذكراً كان أم مؤنثاً، وهي كلمة ((وَسَط)) كما في قوله تعالى: ( ... وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ... ).
¥