تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المشأمة، وهم الكفرة. فانظر أي عموم واستيفاء وشمول في هذه السورة المباركة؟

(لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد).

لقد أقسم الله تعالى بما ذكر "على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة الشدائد والصعاب" [3].

فقد أقسم سبحانه بالبلد الحرام في حال حلول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وإقامته به يبلغ دعوته.

وقد تقول: ولم قال: (وأنت حل) ولم يقل: وأنت حال أو مقيم بهذا البلد.

والجواب: أنه جمع بالعدول إلى كلمة (حل) عدة معان في آن واحد كلها مرادة مطلوبة. ذلك أن كلمة (حل) تحتمل معاني عدة:

منها: أنها تأتي بمعنى الحال والمقيم [4].

وقالوا: إن المقصود، تعظيم المقسم به، وهو أنه لما حل الرسول بمكة جمعت شرفين، شرفها هي الذي شرفها الله به، وشرف الرسول فازدادت تعظيماً على تعظيم وشرفاً على شرف، واستحقت بذلك القسم.

جاء في (البحر المحيط): "إنه تعالى أقسم لما جمعت من الشرفين شرفها بإضافتها إلى الله تعالى، وشرفها بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقامته فيها فصارت أهلاً لأن يقسم بها" [5].

وجاء في (تفسير البيضاوي): "أقسم سبحانه بالبلد الحرام، وقيده بحلوله عليه السلام فيه، إظهاراً لمزيد فضله وإشعاراً بأن شرف المكان بشرف أهله" [6].

وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): "إنه إذا كان الحل من الحلول، فهو متضمن لهذا التعظيم مع تضمنه أمراً آخر، وهو الإقسام ببلده المشتمل على رسوله وعبده، فهو خير البقاع، وقد أشتمل على خير العباد. فجعل بيته هدى للناس ونبيه إماماً وهادياً لهم، وذلك من أعظم نعمه وإحسانه إلى خلقه" ([7]).

"وقيل: هو نفي للقسم. والمعنى: لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه" [8].

ومن معاني (الحل): أنها تأتي بمعنى اسم المفعول، أي: مستحل، على هذا يكون المعنى: وأنت مستحل قتلك لا تراعى حرمتك في هذا البلد الحرام الذي يأمن فيه الناس على دمائهم وأموالهم والذي يأمن فيه الطير والوحش.

جاء في (الكشاف): "ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك، مستحل بهذا البلد الحرام كما يستحل الصيد في عير الحرم.

عن شرحبيل: يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويعضدوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك.

وفيه تثبيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم في عداوته.

أو سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد" [9].

وجاء في (روح المعاني): "وفيه تحقيق مضمونه بذكر بعض المكابدة على نهج براعة الاستهلال، وإدماج لسوء صنيع المشركين، ليصرح بذمهم على أن الحل بمعنى المستحل بزنة المفعول الذي لا يحترم، فكأنه قيل: ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمته يستحل بهذا البلد ولا يحترم كما يستحل الصيد في غير الحرم… وفي تأكيد كون الإنسان في كبد، بالقسم تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على أن يطامن نفسه الكريمة على احتماله، فإن ذلك قدر محتوم" [10].

وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): "وفي الآية قول ثالث، وهو أن المعنى: وأنت مستحل قتلك وإخراجك من هذا البلد الأمين الذي يأمن فيه الطير والوحش والجاني، وقد استحل قومك فيه حرمتك، وهم لا يعضدون به شجرة ولا ينفرون به صيداً… وعلى كل حال فهي جملة اعتراض في أثناء القسم موقعها من أحسن موقع وألطفه.

فهذا القسم متضمن لتعظيم بيته ورسوله" [11].

ومن معاني (الحل) أنها تأتي بمعنى الحلال ضد الحرام، أي: "وأنت حلال بهذا البلد يحل لك فيه قتل من شئت. وكان هذا يوم فتح مكة" [12].

وجاء في (الكشاف): "يعني وأنت حل به في المستقبل، تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر… فإن قلت: أين نظير قوله: (وأنت حل) في معنى الاستقبال؟ قلت: قوله: (إنك ميت وإنهم ميتون) ومثله واسع في كلام العباد" [13].

وعلى هذين القولين الأخيرين تكون (لا) نافية، أي: لا أقسم بهذا البلد في حين أن أهله يستحلون حرمتك، ولا يرعون لك قدراً، أو لا أقسم به وقد جاء أهله بأعمال تستحل حرمتهم والوقيعة بهم في هذا البلد الآمين. فعلى كلا القولين: تكون (لا) نافية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير