102 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (فنفخنا فيها) وقوله (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91}) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12})
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الإلتفات إليها وهي كما يلي:
1. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها في سورة الأنبياء لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالإسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
2. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى u) نبيّ أيضاً فناسب ذكره في السورة وكذلك لأن سورة الأنبياء ورد فيها ذكر ابني ابراهيم وويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
3. لم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن. وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و (فيها) مرة أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح:
دليل أنها أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) سورة التحريم أو (والتي أحصنت فرجها) سورة الأنبياء. فنقول أن الأخصّ مريم ابنت عمران وقوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ من (نفخنا فيه) وأمدح. إذن مريم ابنت عمران أخصّ من التي أحصنت فرجها فذكر الأخصّ مع الأخصّ (فنفخنا فيه) وجعل العام مع العام (ونفخنا فيها). وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على الأعمّ.
عرفنا الآن لماذا هي أعم ويبقى أن نعرف لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو (صدّقت يكلمات ربها)؟ الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.
ومن الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى u أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل u وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما في قصة آدم u يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن عن طريق جبريل u.
¥