تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويستلزم الأمر في هذا المجال القيام بالخطوات التالية:

أولاً: تفعيل المنظومة التربوية تفعيلاً معاصراً، وذلك بتطوير الخطاب اللغويّ، حتى يلبي كل أنماط الخطاب البسيط العلمي، ويغطي كل أساليب التعبير، ويصاحب هذا بالتجديد في متن اللغة استجابة لملاحقة العصر.

ثانياً: بناء الذخيرة اللغوية، وبنوك المعطيات.

ثالثاً: علاج اللغة علاجاً آلياً، من خلال اعتماد نظم الترجمة الآلية منها وإليها.

رابعاً: إدخال التراث اللغوي العربي في أقراص ممغنطة ( c. D.) (7).

ونحن نعدُّ العمل الذي قام به الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في مجال تيسير اللغة مثالاً يحتذى، فمن جملة الكتب التي أصدرها والتي تعدّ قدوة وأسوة حسنة، كتابه (تيسيرات لغوية) الذي جاء فيه بتيسيرات في جوانب من استعمالات اللغة وقواعد العربية، رأى أن يعرضها على الكتاب والقراء، حتى ينحي عن طريقهم ما قد يظنونه إزاء بعض الصيغ انحرافاً عن جادة العربية وقواعدها السديدة (8).

إن قسماً كبيراً من مشاكل اللغة العربية يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبناء الضاد وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسؤوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم وحماية وجودهم المعنوي.

إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلى عالمها الذي يبدو متخلفاً، ليس ذلك فحسب، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسياً أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الانجليزية أو الفرنسية مثلاً، فلا بأس من عزل العربية، بل وقتلها. هذا مع أن هناك شبه إجماع على ثلاثة أمور تشكّل اقتناعاً مشتركاً بين جميع من يُعنى بحاضر اللغة العربية ومستقبلها، ويهتم بمعالجة مشكلاتها، وهي:

ـ الأول: أن العربية قادرة على استيعاب العلوم، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويتحضر إلا من خلال لغته، ومن ثم لن ينهض العرب إلاَّ بواسطة العربية.

ـ الثاني: أن معرفة أكثر المشتغلين بالعلوم للغة الإنجليزية لا ترقى إلى مستوى معرفة أهلها أنفسهم، فهم يستخدمون لغة لا يتقنونها إتقاناً كاملاً، ويهملون لغتهم التي يمكن أن يحققوا بها مستوى أداء أفضل، فيزدادون ضعفاً على ضعف.

ـ والثالث: أن مستوى الطلاب في الكليات العلمية لما يتلقونه بالإنجليزية أو الفرنسية ضعيف، وهو أضعف قطعاً مما لو تلقوا موادهم بالعربية على أيدي أساتذة يحسنونها (9).

ويمكن لنا أن نقول، في ضوء هذا كله، إن العيب في أبناء اللغة وليس في اللغة، وإن التنمية اللغوية مرهونة بالجهد الذي نبذله نحن في الواقع وبين الناس، لا في القراطيس، وإن الآثار الإيجابية للعلاقة بين اللغة والإعلام، لا يكون لها نفع أو جدوى أو فائدة، ما لم نقم، كل في موقعه ومجال تخصصه، بما يجب أن نقوم به، من العمل المدروس والممنهج للحفاظ على صحة اللغة وسلامتها، ولتحقيق المزيد من التنمية اللغوية مستغلين الإمكانات الفنية والتقانية الهائلة التي تتاح لنا اليوم، لتعزيز مكانة لغتنا بالعلم والعمل وتضافر الجهود ووضع الضوابط والتشريعات التي تحول دون انفلات اللغة وتراجعها عن أداء دورها في البناء الحضاري والنماء الاجتماعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أمين الخولي، مشكلات حياتنا اللغوية، ص: 46، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، القاهرة.

(2) لا نقصد هنا الوضع في اللغة، وإنما نقصد إلى الحالة الراهنة للغة، وشتان بين المعنيين.

(3) يُعطي د. حسن ظاظا في كتابه (كلام العرب، من قضايا اللغة العربية)، ص: 85، مكتبة الدراسات اللغوية، دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت، الطبعة الثانية 1990، معنى أكاديمياً لمصطلح (التضخم اللغوي)، وذلك انطلاقاً من أن الأصل في وضع الألفاظ في اللغات المختلفة، أن يكون لكل معنى يجول بالخاطر لفظ يعبر عنه، أي أن يكون للفكرة الواحدة لفظة واحدة، وللكلمة الواحدة معنى واحد أيضاً، ويبدأ الخلط والاضطراب بمجرد أن يوجد لفظان فأكثر لمعنى واحد، أو معنيان فأكثر للفظ واحد، وإن كانت اللغات جميعاً لا تنجو من هذه الإصابة بقدر ما، قل أو كثر. ونحن وإن كنا لا نجادل في صواب هذا التعريف الفني للمصطلح، إلاّ أننا نميل إلى المعنى المباشر الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة، أي المعنى التلقائي الذي يفيد الوفرة والكثرة.

(4) د. شوقي ضيف، في التراث والشعر واللغة، ص: 242، (سلسلة مكتبة الدراسات الأدبية 100)، دار المعارف، القاهرة، 1987.

(5) المصدر نفسه، ص: 242.

(6) يراجع كتابنا (تأملات في قضايا معاصرة)، دار الشروق، القاهرة، 2002، فقد بحثنا فيه قضية العولمة من جوانبها المختلفة وأبعادها المتعددة. ولنا كتاب عن (العالم الإسلامي في عصر العولمة) تحت الطبع في دار الشروق أيضاً.

(7) د. صالح بلعيد، محاضرات في قضايا اللغة العربية، ص: 301، مطبوعات جامعة منتوري قسنطينة، 1999.

(8) صدرت الطبعة الأولى من (تيسيرات لغوية) عن دار المعارف بالقاهرة، في 1990. وللمؤلف كتاب ثان حول هذا الموضوع صدر له عن دار المعارف بالقاهرة في 1994 بعنوان (تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات)، وفي الكتابين فوائد جمة، وقد نحا فيهما المؤلف منحى اجتهادياً في اللغة جديراً بأن يقتدى به.

(9) د. عبد الصبور شاهين، العربية لغة العلوم والتقنية، ص: 366، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1986 م

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير