ولذلك، تعرّف الأنثروبولوجيا، بأنّها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظلّ ثقافة معيّنة .. ويقوم بأعمال متعدّدة، ويسلك سلوكاً محدّداً؛ وهو أيضاً العلم الذي يدرس الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبّؤ بمستقبل الإنسان معتمداً على تطوّره عبر التاريخ الإنساني الطويل. . ولذا يعتبر علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً متطوّراً، يدرس الإنسان وسلوكه وأعماله (أبو هلال، 1974، ص 9)
وتعرف الأنثروبولوجيا أيضاً، بأنّها علم (الأناسة) العلم الذي يدرس الإنسان كمخلوق، ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة، ومن جهة أخرى أنّه الوحيد من الأنواع الحيوانية كلّها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها، والمخلوق الذي يتميّز عنها جميعاً. (الجباوي، 1997، ص 9)
كما تعرّف الأنثروبولوجيا بصورة مختصرة وشاملة بأنّها " علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً " (سليم، 1981، ص 56) أي أنّ الأنثروبولوجيا لا تدرس الإنسان ككائن وحيد بذاته، أو منعزل عن أبناء جنسه، إنّما تدرسه بوصفه كائناً اجتماعياً بطبعه، يحيا في مجتمع معيّن له ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين.
فالأنثروبولوجيا بوصفها دراسة للإنسان في أبعاده المختلفة، البيوفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فهي علم شامل يجمع بين ميادين ومجالات متباينة ومختلفة بعضها عن بعض، اختلاف علم التشريح عن تاريخ تطوّر الجنس البشري والجماعات العرقية، وعن دراسة النظم الاجتماعية من سياسيّة واقتصادية وقرابية ودينية وقانونية، وما إليها .. وكذلك عن الإبداع الإنساني في مجالات الثقافة المتنّوعة التي تشمل: التراث الفكري وأنماط القيم وأنساق الفكر والإبداع الأدبي والفني، بل والعادات والتقاليد ومظاهر السلوك في المجتمعات الإنسانية المختلفة، وإن كانت لا تزال تعطي عناية خاصة للمجتمعات التقليدية. (أبو زيد، 2001، ص 7)
وهذا يتوافق مع تعريف / تايلور/ الذي يرى أنّ الأنثروبولوجيا: "هي الدراسة البيوثقافية المقارنة للإنسان " إذ تحاول الكشف عن العلاقة بين المظاهر البيولوجية الموروثة للإنسان، وما يتلقاه من تعليم وتنشئة اجتماعية. وبهذا المعنى، تتناول الأنثروبولوجيا موضوعات مختلفة من العلوم والتخصّصات التي تتعلّق بالإنسان.
ثانياً: طبيعة الأنثروبولوجيا
إنّ الشعوب الناطقة باللغة الإنكليزية جميعها، تطلق على علم الأنثروبولوجيا: " علم الإنسان وأعماله " بينما يطلق المصطلح ذاته في البلدان الأوروبية غير الناطقة بالإنكليزية، على " دراسة الخصائص الجسمية للإنسان". ويصل هذا الاختلاف إلى طبيعة علم الأنثروبولوجيا .. فبينما يعني في أوروبا، الأنثروبولوجيا الفيزيقية، وينظر إلى علمي الآثار واللغويات كفرعين منفصلين، فإنّ الأمريكيين يستخدمون مصطلح (الإثنولوجيا أو الإثنوغرافيا) لوصف (الإثنوجرافيا الثقافية) والتي يطلق عليها البريطانيون (الأنثروبولوجيا الاجتماعية).
ففي إنكلترا مثلاً، يطلق مصطلح الأنثروبولوجيا، على دراسة الشعوب وكياناتها الاجتماعية، مع ميل خاص للتأكيد على دراسة الشعوب البدائية. أمّا في أمريكا، فيرى العلماء أنّ الأنثروبولوجيا، هي علم دراسة الثقافات البشرية البدائية والمعاصرة، في حين أنّ علماء فرنسا يعنون بهذا المصطلح، دراسة الإنسان من الناحية الطبيعية، أي " العضوية ". (كلوكهون، 1964، 209)
فعلم الأنثروبولوجيا يركّز اهتمامه على كائن واحد، هو الإنسان، ويحاول فهم أنواع الظاهرات المختلفة التي تؤثّر فيه .. في حين تركّز العلوم الأخرى اهتمامها على أنواع محدّدة من الظاهرات أنّى وجدت في الطبيعة.وكان علم الأنثروبولوجيا، وما زال، يحاول فهم كلّ ما يمكن فهمه أو معرفته عن طبيعة هذا المخلوق الغريب الذي يسير على قدمين، وكذلك فهم سلوكه الذي يفوق طبيعته الجسمية غرابة.
¥