تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أختاه يا أُمَّ الصِّغار تعلَّقي=باللهِ إنَّ اللهَ خَيْرُ نَصير

في لحظةِ اليأس العميقةِ حينما=نهفو إليه يجود بالتيسير

قولي معي أُختاه قَوْلَة مؤمنٍ=لا ينثني لوسائل التخدير

كم أُمةٍ سكرتْ بكأسِ غرورها=ذَهَبَ الإله بجيشها الأُسطوري

فقال وهو يكفكف دمعه: لقد أحسن الوصف، وأتم النعت، وبرع في الاستهلال، وتفوق في الختام، ولله هو! لو بثت هذه المسكينة شعراً لما كان إلا كما قال!، إلا إن قرضه للشعر ليس قرض عابث، أو لا عب أو طالب منصب، أو مريد شهرة بل هو قرض رجل غضبان، أسف متحرق على واقعنا، متألم لحالنا، ولقد غبّر قافيته والله في سبيل الله! ثم أنشدت على سمعه قصيدته التي خاطب فيها العالم المتعامي وفيها:

أيُّها العالمُ ما هذا السكوتُ=أو ما يؤذيك هذا الجبروتُ؟

أو ما تُبصر في الشيشان ظلماً=أو ما تُبصر أطفالاً تموتُ؟

فقال: لقد أحسن كذا يخاطب كل من يصعر خده، ويدعي العمى وما هو بأعمى! ومنها:

إن يكن للروس آلات قتالٍ=فلنا في هجعة الليل القنوتُ

عجبا لأمرنا بأيدينا النجاة ونهلك، قال أحد الأدباء النجباء: "لا يقرع باب السماء بمثل الدعاء خصوصاً إذا كان مُطرز الحاشية بالصلاح، ومُبرزاً عن ناحية الفلاح)، وقال: "الدعاء من مقاليد النجاة، ومفاتيح النجاح".

ثم ثنيت بأبي عبد الله ابن جوزي عصرنا عائض القرني، وتلوت عليه قصيدته التي حشيت حكمة وعظة:

سلا القلب عن غيد صفت وحسان=وأهمل الذكر المنحنى وعمان

وما عاد يلهيني الصبا بأريجه =ولو فاح بالريحان والنفلان

وخط برأسي الشيب لوحة عاشق=يقول: احذروني أيها الثقلان

وفيها:

شربنا ليالي الصفو في كأس غفلة=ثلاثون عاماً توجت بثمان

فمرت كأحلام الربيع سريعة=فأيامها في ناظري ثوان

فقال: صدق هذه الدنيا كشمس العصر على القصر، يتطاولها الإنسان إذا عدها، وما أعجلها إذا تتابعت! إلى أن قال:

وفي أربعين العمر وعظ وعبرة=ويكفيك علماً شاهد الرجفان

فلا تسمعني وعظ قس ولا تسق=علي مقامات من الهمداني

فعندي من الأيام ابلغ عبرة =على منبر تلقى بكل لسان

فقال الراعي: لا إله إلا الله خرجت هذه الحروف من قلب صادق، قد تقلب في هذه الدنيا، وأخذ منها العظة والعبرة، الله أكبر لقد أثارت في هذه الأبيات شجوناً أعجز عن وصفها! فقلت: وإليك فخره:

وما كنت مما يسلب اللهو قلبه=وكيف وفي الأعماق سبع مثان

وفي خلدي ذكر مرتل =معاذ الله ليس فيه أغانإلى أن قال:

لداتي لهم لهو ولغو وسهرة=ولكن ديني عن هواي نهاني

فقال الراعي: كذا من أراد أن يفخر لا كمن يفخر بجهله وفسقه وفجوره، وما أجمل عزة المؤمن حين يتباهى أمام الناس بدينه وصلاحه، والحظيظ من قضى شبابه في طاعة الله ورسوله، والله وإن لذتها لا عدل لها، وذكرت له قصيدة محمد المقرن - وهذا الشاعر يحق للأواخر أن يباهوا به الأوائل فقد جاء بما لم يأتوا به، واقرأ إن شئت قصائده - ذكرت له أبياته التي تبكي كل غريب، وبها حن إلى موطنه "قفي لأجمع في عينيك أشتاتي ومنها:

شربت فيها زلال الماء في شرق =من الحنين إلى شوب بمسقاة

حتى قال:

كل بموطنه يزهو وما استويا=مصباح بهو ومصباح بمشكاة

والإبل تألف في الصحراء غبرتها= وتأنف العيش في صفو الحضارات

ولفحة النار في أرض نشأت بها =أحب للنفس من بعد بجنات

يموت أهل الهوى بالشوق إن ظعنوا=وإن أبيت فهم أنصاف أموات

فقال: في الغربة كربة، وقال العارفون: "من كان غريباً فلا ينس نصيبه من الذل، والغربة قلة ونقص، وأهون بغربة الأوطان إن قيست بغربة الأديان، ما أعظم غربة الدين فهي التي تفري القلب، وتذيب المهج، رد الله غربتنا! " فقطع مجلسنا وصولنا إلى سيده الذي أكرم مثواي، وقدم ما يقدمه الكريم لضيفه، فأزال ما أبقته الصحراء في جسمي من تعب ونصب، وأرسل بمن يصلح دابتي، ويأتي بها، وأمروني أن أتبعهم لئلا أضل أو أحيد عن الطريق، فودعتهم وكلي لسان شاكر.


* عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
* نشرت في مجلة (شباب) وفي موقع (صيد الفوائد) و (المختار الإسلامي)

ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[20 - 04 - 2009, 04:00 م]ـ
للرفع

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير