تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[القطار (نزف من قلم) محمد عبد المحسن سنجر]

ـ[محمد سنجر]ــــــــ[11 - 06 - 2006, 11:03 ص]ـ

القطار

وضعت حقيبة أوراقي جانبا

نظرت خلال قضبان النافذة

وجدته جالسا مرتديا بزته الزرقاء التي ظهرت عليها آثار الزمن

خيل إلي أنه ملتصق بكرسيه البالي منذ عهد الملكية

نظر تجاهي نظرة تساؤل من خلال زجاج نظارته

بادرته قائلا

: تالته القاهرة

تحركت أنامله بحركة آلية إلى البطاقات المستلقية أمامه على الطاولة

تناول إحداها

أدخلها في آلة الزمن

سمعت دقة الآلة تدمغ البطاقة

أخرجها، ناولني إياها

: كام؟

: أربعة وتسعين قرش

ناولته ورقة من فئة الجنيه

انطلقت إلى بائع الصحف، تناولت من أمامه ما ظننت أنه يكفيني للرحلة

أعطيته النقود وانصرفت

صعدت درجات السلم المؤدية إلى محطة القطار

جلست إلى إحدى المقاعد الخشبية المتراصة هنا وهناك

تناولت إحدى الصحف،أطالع العناوين الرئيسة

إسرائيل تقصف رام الله ردا على العملية الفدائية بتل أبيب

لا جديد

العرب يستنكرون

لا جديد

المجاعة تجتاح وسط إفريقيا

لا جديد

فوز الأهلي على الزمالك

لا جديد

نفس العناوين لم تتغير منذ سنين

ملل يسدل ستائره من حولي

أطوي الصحيفة و أضعها بجواري على المقعد

أبحث بنظري هنا و هناك

ألمح بائع الشاي يمر بخفة بين الناس حاملا أكوابه الأرجوانية

أنظر إليه

يفهم فحوى نظرتي،يقبل في خفة تجاهي

يضع جواري إحداها ويرحل

أخرج من جيبي علبة لفافات التبغ المستكينة

أتناول إحداها، أشعلها

تتهادى إلى مسامعي دقات قادومه على سندان القضبان الحديدية

أراه يقترب رويدا رويدا عبر الحقول، يعلوه غبار الماضي السحيق

وأراني أتناول حقيبة أوراقي و صحفي

أبحث عن بائع الشاي

أدس عملة ورقية تحت الكوب و أرحل

اتجهت إلى الدرجة الثالثة في مؤخرة القطار

صدمت مما رأيت

لا يوجد موطئ لقدم

ركوب الدرجة الثالثة مستحيلة بهذه الكيفية

ثم أنني لست مجبر على ركوب القطار

فأنا والحمد لله معي ما يكفيني لركوب طائرة إلى القاهرة

و لكن ركوب القطار لا تدانيه متعة

يكفي جلوسي بين الفقراء نتعاطى حكاياتهم النابعة من القلب

و لهذا لجأت إلى استقلال القطار

ولكن ليس بهذه الكيفية

تبخرت آمالي في رحلة مؤنسة إلى القاهرة

يستحيل مع هذا التكدس الاستمتاع بهذه الرحلة

و ما العمل الآن؟

لا فائدة

لأذهب سريعا إلى محطة الحافلات حتى لا يضيع وقتي سدى

فورا اتخذت قراري بالرحيل

أثناء رحيلي شد انتباهي عربة بمؤخرة القطار يجلس بها خمسة أشخاص

تجدد أملي في رحلتي بالقطار ثانية

ولكن هذه العربة لا يوجد بها مقاعد

و ما المانع المقاعد لا تهم من الممكن افتراش الأرض بالصحيفة

المهم الآن أنني سأستمتع برحلة شيقة بين أحبائي من الفقراء

صعدت إلى العربة

افترشت الأرض بالجريدة

وضعت حقيبة أوراقي بجواري

بدأ القطار في التحرك رويدا رويدا

بدأ القطار بالعزف على أوتار قضبانه الحديدية، وبدأنا نتراقص كالبندول يمينا و يسارا على وقع إيقاعه

بدأ الحديث بين الموجودين ولكنه لم يتسم بالمودة المعهودة كالأحاديث السابقة

بدا لي الحديث مبهما غامضا، اجتمع الموجودون على شيء واحد

: جايز يدخلوا علينا في أي وقت

: ممكن يدخلوا علينا في طنطا

:المهم ناخد بالنا وربك يعديها على خبر

دارت الأسئلة بداخلي

من هم الذين سيدخلون علينا؟

ولماذا اجتمعوا جميعا على رأي واحد؟

لا يبدو لي أنهم جميعا يعرفون بعضهم البعض

أعتقد أنهم متهربين من دفع ثمن التذاكر

لا دخل لي بهذا الموضوع فأنا معي تذكرة

(أحطها في عين التخين)

بدأت أقلب صفحات صحفي المملة

بدأت الدقات تهدأ،

و هدأ معها الرقص،يبدو أننا وصلنا إلى المنصورة، سمعنا صرير عجلات القطار

انفتح الباب ودخل منه بعض الركاب من المدنيين و المجندين

ولكن ما شد انتباهي أن الوافدين علينا اشتركوا مع القدامى في نفس وجة النظر

: خلوا بالكم هايطبوا علينا في طنطا

: ربك يسهلها، المهم يا جماعة نقفل البيبان كويس

عندها بدأ المجندين في وضع خطة

: بصوا بقى يا جماعة، إحنا هانخلع الأوايش ونربط بيها البابين،إتنين مننا هايقفوا على الباب ده واتنين على الباب التاني

: المهم أما نوصل طنطا مش عاوزين نسمع و لا نفس

(طبعا أنا ليس لي دخل بهذا كله)،فأنا والحمد لله معي (تذكرة أحطها في عين التخين)

تركتهم يعدون لمعركتهم، و انخرطت أنا في حل الكلمات المتقاطعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير