تكررت " قصيدة "، " قصيدتي " فحَسُنَ ترديدها وتوسطت حروفها المدوية زحمة الهمس السيني المتعب امتدادا من " الأسى للسامعين" إلى " مأساتي".
هذي جراحُ متّيمٍ عرف الهوى متصدع قلبي من الآهات
تتجلى جزالة مخزون الشاعر، فترفع قواعد البيت الشعري بحنكة متمرس، وخبرة مؤسس، لكن انتقال الخطاب من الغائب إلى المتكلم لم يسلم من فجاءة متعجلة، خطفت من ذهن القارئ بوصلة الرحال إلى التشبه بذلك المتيم المجروح،
فلوت عنق الالتفات قبل أن يتوجع أخدعُ الأناة.
وكنت مفضلا أن يكون العجز:
قبل الصِّبا وطلوع بدر الذات ِ، أو: متصدع من أنهر الآهات
سافرتُ في بحر الغرامِ مجدفًا في غمرة الآمال والظلمات
غنت إحداهن " يا تكسي الغرام يا مقرب البعيد "، وقال ابن الوردي:
قلب كواهُ البينُ حتى أنضجا
ما زال في بحر الغرامِ ملججا
أما شاعرنا في قوله " في غمرة الآمال " فقد جعل للآمال غمرة غير غمرة الوغى واللهو والهوى.
آمال وصال تصاحبها ظلمات هجر والأدهى أن تكون آمال قبول تتجاهلها غياهب رفض.
لم أدرِأَنّي غارقٌ في أَدمعي فوقفت حيرانا بأمر نجاتي
الغرق في الدموع معنى ركبه الشعراء، وما زال الشعراء يقولون معادا مكررا.
فلا يتساهلن الشاعر في أن يصعد إلى سفينة قصيدته رائج المعاني ولا دارج المباني، فللمعاني أنسابها وللمباني أربابها.
تأمل معي هذا المعنى الشائع امتطاء، كيف عالجه علي الجارم فزاده ارتقاء:
أغرَقتُ همي بالدموع فخانني
وطفا فويلي من غريق طافي
" فوقفت حيرانا بأمر نجاتي"
يقولون أن الغريق يتعلق بقشة فما بالك في حيرة وكأن خيارات النجاة تترى.
لم أدرِأَنّي قد أضعتُ سفينتي أم أين كانت حينها مرساتي
ضاعت سفينتك فضعتَ معها؟ أم أنها تحطمت؟
وأراني مستسهلا تقدير " لم أدر " بعد " أم" لأفهم المعنى، فيصير الضياع مبررا، فالمحب عندما يركب سفينة الهوى لا يملك أمر مرساتها.
لم أدر أني ميت لكنما من دونما قبر يضم رفاتي
لم تبتعد عن قول صالح بن عبد القدوس:
لَيسَ مَن ماتَ فَاستراحَ بميت ..... إِنَّما المَيت ميت الاِحياء
أَمسيتُ مفتونًا بحبكِ مغرمًا سهم الهوى من نظرة الوجنات
ما نظرة الوجنات؟
عهدي بها نظرة الحدقات، أم أن المقصود من نظرة إلى الوجنات؟ على أن الذي يكون من نظرة إلى الوجنات سهم الفتنة لا سهم المحبة.
لا تضربي بيني وبينكِ ساترًا ودعي حجاب الصون للخفرات
قف أيها الراوي، كي أتبين هذا الانعطاف بل هذا الهجاء،
ما الرواية،وما الذي أيقظ الغواية؟
لكن هذا البيت أجمل أبيات القصيدة، لولا أنه يدعو إلى المحظور، ويكشف خبايا المستور.
ونواصل
فلكم وكم بكِ مغرمٌ أرضيته بعطية تهدى له وصلات
ولقد قضى وطرَ الهوى حتى ارتوى لكنني كلِفٌ قضيت حياتي
وطر وهدايا وصلات، أيها الكلف الظامئ هنيئا لك الإفلات.
وهنيئا لك هذه المسطرة الموسيقية تقسيما حاذقا وانتقاء فائقا
" ولقد قضى "، " وطر الهوى "، " حتى ارتوى "
لكأن التفاعيل تدق أجراسا،، فيزغرد الشطر أعراسا.
يا لها من عاطفة نازفة، تسيل في كبرياء آسفة، " كلف قضيت حياتي " هذا النقاء له جمارُ، ليس تخمدها الأشعار.
عمرٌ سيفنى لامحالةَ عاجلاً أم آجلا سيان عند وفاتي
وسأَرتمي يومًا بحضنكِ ثاويًا لكن ذاك اليوم يوم ومماتي
" عمر " والأنسب " جسد".
وابتدأت الألغاز،
من التي سيرتمي في حضنها الشاعر جسدا دون حياة؟
أهي الأرض أم الدنيا الغرور أم الحبيبة الخؤون؟
أسرار تتجاور، إبهام يتواتر
لاتسألنَّ عن الهوى وعن النّوى أيقظتني من بعد طول سباتي
يكفي عتابي يامتيّم إنَّني أمُّ أنا من سائر الحرمات
عدنا إلى المتيم جريح الهوى، أي هوى؟ لم أعد أتبين هو هوى المال، هوى البنين، هوى الحسان؟
" إنني أم ٌ أنا " هذا التوظيف البنيوي نجح مغزاه المعنوي.
" أم أنا من سائر الحرمات"
لعلها الدنيا؟
برٌّ بها حقٌ على أَبنائِها أوقف قطار اللوم والحسرات
هل هم أبناء الحياة؟
برُّ الحياة اجتناب الحرمات، ولكن قطار الحسرات لا يقف
ألم أقل في البداية:
فأخشى أن يكلفني المسير شيب الغراب، غير مدرك لشفرتي محزا من طِلاب.
فلا تقل يا أبا خالد بلا منازع إنني ناقد، فأمام فرائد عرين أبي الأسود أتعبتني المكائد والمصائد.
ـ[أبوالأسود]ــــــــ[13 - 06 - 2006, 05:25 م]ـ
وزينت مدرعتي لتظهر للقارئين قصيد ة جميلة ,كفيت ووفيت ولاحرمنا
فوائدك ياأستاذنا الناقد ,وأضم صوتي إلى صوت أبي خالد.
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[14 - 06 - 2006, 08:33 ص]ـ
قلتُ في مشاركتي:
عمرٌ سيفنى لامحالةَ عاجلاً أم آجلا سيان عند وفاتي
" عمر " والأنسب " جسد".
والصواب ما قاله لي شاعرنا أبو الأسود حفظه الله في رسالة خاصة:
الجسد يكون له البلى.
أما العمرفيخصه الفناء.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب "
¥