[القلب بين الطب .. والأدب]
ـ[الشمالي1]ــــــــ[18 - 02 - 2006, 09:13 م]ـ
[القلب بين الطب .. والأدب]
الدكتور حسان شمسي باشا
عندما يعزف القلب أغنية الحياة، يغزل المحبون والشعراء والفنانون أنسجة القصائد على تداعيات هذه الألحان.
والقلب كتلة من اللحم وزنها في الإنسان الكهل 280 - 340 غ، وسمي قلبا لكونه في وسط البدن تقريبا، فقلب كل شيء وسطه وليه. وقال بعضهم سمي قلبا لأن وضعه قلوب في البدن. فقمته في الأسفل، وقاعدته في الأعلى. ولكن أحد الشعراء يرأى رأيا آخر:
ما سمي القلب إلا من تقلبه والرأي يصرف بالإنسان أطوارا
والقلب أمير البدن بلا منازع، كل عضو في البدن، وطل خلية فيه بحاجة إليه، حتى الدماغ إذا قطع القلب الدم عنه مات بعد 4 دقائق.
أما هو فمستقل بذاته، يضخ دمه إلى خلاياه عبر شرايينه التاجية. وإذا قطع الدماغ عنه سيالته العصبية، أمر العقد العصبية المنبثة في عضلته فقامت بوظيفة الدماغ واستفنى عنه.
وينبض القلب في الدقيقة الواحدة وسطيا 70 مرة، ويضخ 5 لترات من الدم. وفي اليوم الواحد ينبض 100,000 نبضة تقريبا. ويدفع 7200 لترا من الدم.
وإذا عاش الإنسان سبعين عاما، فإن القلب يكون قد نبض حوالي 3 مليارات نبضة، وضخ حوالي 200 مليون لتر من الدم طوال تلك الحياة. والقلب هو العضلة الوحيدة التي لا تتوقف عن العمل طوال حياة الإنسان. وإذا كان القلب عند الأطباء مستقرا في مكانه في تجويف الصدر، فإنه عند الأدباء يتلفت ذات اليمين وذات الشمال.
ويؤكد أديب العلماء الشيخ علي الطنطاوي أن القلب يتلفت ويبصر ويتكلم في عالم الشعر فيقول:
" والقلب يتلفت، نعم يتلفت، فلا تصدقوا أخبار العواذل من الأطباء الذين يرجفون بأنه ليس إلا عضلة ملساء.
ولقد مررت على ديارهم وطولها بين البلى نهب
فوقفت حتى لج من لغب نضوى ولج بعذلي الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت عنى الطول تلفت القلب
يتلفت ليرى المنازل وأهلها، ثم يبعد الركب فلا يرى إلا حيا كلها، ثم يبعد الركب أكثر فلا يرى إلا دخانها، ثم ترمي بالركب المرامي فلا يرى شيئا، عندئذ يبصرها القلب بعينه التي لا يحجبها الناي ولا الليل ولا المنام.
تلفت حتى لم يبن من بلادكم دخان ولا من نارهن وقود
وإن التفات القلب من بعد طرفه طوال الليالي نحوكم ليزيد
والهوى يتجسم في عالم الشريف الرضي إنسانا، ويزور الشاعر فينصحه ألا يفارق أحبابه، فإذا لم يسمع نصح الهوى، جاء القلب فكلمه وضرب له الأمثال:
ولما تدانى البين قال لي الهوى رويدا، وقال القلب: أين تريد؟
أتطمع أن تسلو على البعد والنوى وأنت على قرب المزار عميد؟ "
ويؤكد بشار بن برد أن القلب في موطن الهوى يبصر قبل العين، ويسمع قبل الأذن فيقول:
دعوا قلبي وما اختار وما ارتضى فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
وما تبصر العينان في موضع الهوى ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
والعين هي الطريق الموصل إلى القلب كما يقول البحتري:
وما كان حظ العين في ذاك مذهبي ولكن رأيت العين بابا إلى القلب
كما أن دموع العاشقين هي الألسنة التي تنطق بها القلوب. يقول ديك الجهني الحمصي:
دموع العاشقين إذا توالت بظهر الغيب ألسنة القلوب
وفي جراحة القلب يقوم الجراح بشق الجلد بمبضعه، ثم يقص عظم القص بمنشار خاص قبل أن يصل إلى القلب ليجري عليه عملية جراحية. ولكن سهام " البدور " عند المتنبي تصل إلى القلوب قبل الجلود !!
عمرك الله هل رأيت بدورا طلعت في براقع وعقود؟
راميات بأسهم ريشها الهدب تشق القلوب قبل الجلود
وفي نفس المعنى يقول كثير عزة:
رمتني بسهم ريشه الهدب لم يضر ظواهر جلدي وهو في القلب جارح
وكثيرا ما تحدث الشعراء عن جروح القلب، فلا مباضع ولا سهام، بل مجرد تذكر الحبيب كاف لأن يحدث جرحا في القلوب.
قال ذو الرقة:
إذا خطرت من ذكر حية خطرة على القلب كادت في فؤادك تجرح
ولعل نظرة من نظرات الحبيب لا تجرح القلب فحسب، بل تودي بالحياة!!. قال ابن الرومي:
نظرت فأقصدت الفؤاد بلحظها ثم انثنت عنه فظل يهيم
فالموت إن نظرت وإن هي أعرضت وقع السهام ونزعهن أليم
ومسكين ذلك القلب المجروح، فحتى شهادته لا تقبل عند الخصام.
يقول الطبيب الشاعر شاكر الخوري:
¥