[شرح معلقة امرؤ القيس]
ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 11:58 م]ـ
الجزء الأول
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ii ومَنْزِلِ بِسِقْطِ الِّلوَى بيْنَ الدَّخولِ ii فَحَوْمَلِ
فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها لِمَا نَسَجَتْها مِنْ جَنوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في ii عَرَصاتِها وقِيعانِها كأنَّهُ حَبُّ ii فُلْفُلِ
كَأنِّي غَداةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلوا لَدَى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ ii حَنْظَلِ
وُقوفاً بِها صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُمُ يَقولون لا تَهْلِكْ أَسىً ii وتَجَمَّلِ
ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 12:00 ص]ـ
الشرح:
خاطب الشاعر صاحبيه، وقيل بل خاطب واحدا وأخرج الكلام مخرج الخطاب لاثنين، لان العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، فمن ذلك قول الشاعر: فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر، وأن ترعياني أحمِ عِرضاً ممنّعاً خاطب الواحد خطاب الاثنين، وإنما فعلت العرب ذلك لان أدنى أعوان الرجل هم اثنان: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه، ويجوز أن يكون المراد به: قف قف، فإلحاق الألف إشارة الى أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمات المازني في قوله تعالى: "قال رب أرجعون " المراد منه أرجعني أرجعني، جعلت الواو علما مشعرا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارا، وقيل: أراد قفن على جهة التأكيد، فقلب النون ألفا في حال الوصل، لأن هذه النون تقلب ألفا في حال الوقف، فحمل الوصل على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى: "لنسفعن" قلت: لنسفعا. ومنه قول الأعشى: وصلِّ على حين العشيّات والضحى ولا تحمد المثرين واللهَ فاحمدا = أراد فاحمدَن، فقلب نون التأكيد ألفا، يقال يكى يبكي بكاء وبكى، ممدودا ومقصورا، أنشد ابن الأنباري لحسان بن ثابت شاهدا له: بكت عيني وحق لها بكاها، وما يعني البكاء ولا العويل فجمع بين اللغتين، السقط: منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه، والسقط أيضا ما يتطاير من النار، والسقط أيضا المولود لغير تمام، وفيه ثلاث لغات: سَقط وسِقط وسُقط في هذه المعاني الثلاثة، اللوى: رمل يعود ويلتوي، الدخول وحومل: موضعان. يقول: قفا وأسعداني وأعيناني، أو: قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيباً فارقته ومنزلا خرجت منه، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين
توضح والمقراة موضعان، وسقط بين هذه المواضع الأربعة، لم يعف رسمها، أي لم ينمح أثرها، الرسم: ما لصق بالأرض من آثار الدار مثل البقر و الرماد وغيرهما، والجمع أرسم ورسوم، وشمال، فيها ست لغات: شمال وشمال وشأمل وشمول وشَمْل و شَمَل، نسج الريحين: اختلافهما عليها وستر إحداهما إياها بالتراب وكشف الأخرى التراب عنها. وقيل: بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب، ومر السنين، وترادف الامطار وغيرها. وقيل: بل معناه لم يعف رسم حبها في قلبي وإن نسجتها الريحان. والمعنيان الاولان أظهر من الثالث، وقد ذكرها كلها ابن الانبارى
الآرآم: الظباء البيض الخالصة البياض، وأحداهما رئم، بالكسر، وهي تسكن الرمل، عرصات (في المصباح) عرصة الدار: ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء، والجمع عراص مثل كلبة الكلاب، وعرصات مثل سجدة وسجدات،وعن الثعالبي: كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة، و (في التهذيب): سميت ساحة الدار عرصة لأن الصبيان يعرصون فيها أي يلعبون ويمرحون؛ قيعان: جمع قاع وهو المستوي من الأرض، وقيعة مثل القاع، وبعضهم يقول هو جمع، وقاعة الدار: ساحتها، الفلفل قال في القاموس: كهدهد وزبرج، حب هندي. ونسب الصاغاني الكسر للعامة: و (في المصباح)، الفلفل: بضم الفاءين، من الأبرار، قالوا: لايجوز فيه الكسر. يقول الشاعر: انظر بعينيك تر ديار الحبيبة التي كانت مأهولة بأهلها مأنوسة بهم خصبة الأرض كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء ونثرت في ساحتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل. في مستوى رحباتها
غداة: (في المصباح)، الغداة: الضحوة، وهي مؤنثة، قال ابن الأنباري. ولم يسمع تذكيرها، ولو حملها حامل على معنى أول النهار جاز له التذكير، والجمع غدوات، البين: الفرقة، وهو المراد هنا، وفي القاموس: البين يكون فرقة ووصلا، قال الشارح: بأن يبين بينا وبينونة، وهو من الأضداد، اليوم: معروف، مقدارة من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يراد باليوم والوقت مطلقا، ومنه الحديث: "تلك أيام الهرج" أي وقته، ولا يختص بالنهار دون الليل، تحملوا واحتملوا: بمعنى: ارتحلوا، لدي: بمعنى عند، سمرات، بضم الميم: من شجر الطلح، الحي: القبيلة من الأعراب، والجمع أحياء، نقف الحنظل: شقة عن الهبيد، وهو الحب، كالإنقاف والانتفاف، وهو، أي الحنظل، نقيف ومنقوف، وناقفة وهو الذي يشقه. والشاعر يقول: كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل، يريد، وقفت بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها
نصب وقوفا على الحال، يريد، قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيتهم علي، والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود والركوع في جمع شاهد وراكع، الصحب: جمع صاحب، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب والصحابة والصحبة والصحبان، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضا، ثم يخفف فيقال الأصاحب، المطي: المراكب، واحدتها مطية، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات، سميت مطية لأنه يركب مطاها أي ظهرها، وقيل: بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير، يقال: مطاه يمطوه، فسميت الرواحل به لانها تمد في السير، نصب الشاعر أسى على أنها مفعول له. يقول: لقد وقفوا علي، أي لاجلي أو على رأسي وأنا قاعد، رواحلهم ومراكبهم، يقول لي: لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر. وتلخيص المعنى: انهم وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع
¥