تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ابن الرومي]

ـ[خالد الهطالي]ــــــــ[14 - 03 - 2006, 11:58 ص]ـ

:::

المؤثرات البيئية والشخصية في شعر ابن الرومي ـــ د. محمد عبد القادر أشقر (*)

شعْرُ ابن الرومي انعكاس لما كان يعانيه في مجتمعه، ولما كان يعانيه في نفسه وجسمه، ولعله أهم شاعر انصرف إلى التعبير عما يحس به من مشاعر تجاه زمانه وأهل زمانه، وإلى الكشف عما يعانيه من هموم ومتاعب بسبب ضعف جسمه وبنيته، أو ما يحس به من مخاوف وأوهام وظنون. والشعراء عموماً لا يتحدثون كثيراً عن أحوالهم وما يمر بهم من دقائق حياتهم اليومية، لأنهم منصرفون إلى الفن، ينظمون الشعر ويجوِّدونه ويعتنون به، معتقدين أن همومهم الشخصية مِلْكٌ لهم فحسب، وأنه من غير اللائق إطْلاع الآخرين عليها، لذا لا نستطيع الحصول على صور واضحة للشعراء من خلال دواوينهم، لكن الأمر مختلف مع ابن الرومي، لأن شعره انعكاس لكل دقيقة كان يعيشها في مجتمعه، ولكل همّ كان يحسه ويعيشه، إنه باختصار يعرض حياته العامة والخاصة بكل تفاصيلها من خلال الشعر، وهو بذلك يهيئ الشعر ليكون قريباً من روح الحياة والناس، وأكثر تعبيراً عن نفس قائله، كما أنه يهيئه ليكون تعبيراً عن الأحاسيس والمشاعر الخاصة أكثر من كونه وصفاً للممدوح، ومهنةً يتكسب الشاعر منها قوت يومه. إنه يحاكي مختلف مظاهر الحياة، ويحاكي مشاعره أكثر من محاكاته للفن الشعري ذي الأصول الراسخة التي تعارف عليها النقاد. وهذه المحاكاة هي جوهر الشعر، لأن الشعر تعبير عن النفس أولاً. وإن فهمه لوظيفة الشعر على هذا النحو تجديد حقيقي في الشعر، لأنه أبعده قليلاً أو كثيراً عن دائرة الرسميات وما تعارف عليه النقاد وأهل البصر بالشعر. ولعل هذا الموقف سبب من أسباب ابتعاد ممدوحيه عنه، لأنه انصرف عنهم إلى نفسه وأحواله، فبدت قصائده مزيجاً من مشاعر متباينة، فيها وقوف طويل عند ذاته المعذبة المقهورة التي أصابها نُوَبُ الزمان، وفيها وقفات قصار متفرقة عند الممدوح، حتى لتصبح أحوال الشاعر الغرض الرئيس من القصيدة، ويصبح المدح تابعاً أو ذيلاً لها. ولم يترك ابن الرومي صغيرة ولا كبيرة تتعلق بحياته إلا أحصاها في شعره، بل إنه أحصاها في الشعر الموجه إلى الآخرين، فلم يكتفِ بعرض همومه ومشكلاته وكل ما يعانيه في قصائد ذاتية مستقلة، بل إنه جعل تلك الهموم موضوعاً أساسياً في قصائده المدحية التي توجه بها إلى الممدوحين.

لذا سأحاول البحث عن المؤثرات التي تركت صداها في شعره، سواء أكانت عامة تتعلق ببيئته وعصره، أم خاصة تتعلق بشخصيته جسماً ونفساً. وسأرى كيف تجلت في شعره. وإنني أعترف أن الفصل بين تلك المؤثرات غير علمي، لأن تلك المؤثرات متداخلة متشابكة فيما بينها، تَشابُك المشاعر والأحاسيس، لكني سأفصل بينها فصلاً مؤقتاً لأتلمّس مظاهر كل أثر على حدة، وأنا أعلم أن استقلالية الأثر أحياناً قد ينتج عنها تشابهٌ في المظاهرات التي تجلت فيها مع مؤثرات أخرى، لكن لا حيلة أمامي إلا أن أفعل ما سأفعل تتبعاً للأثر من مصادره، ورصداً له في مظاهره التي تجلى فيها.

أولاً: مؤثرات عامة (البيئة والعصر):

عاش ابن الرومي في عصر مضطرب أشد الاضطراب، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعقائدياً، كما عاش في بيئة أسرية منكوبة، بل إن المصائب أحاطت بها من كل حدب وصوب. وكان لابد لهذا الاضطراب أن ينعكس في شعره، أو أن يترك آثاره فيه، وأن يستجيب استجابات مختلفة للواقع الذي عاشه في مجتمعه. وقد تجلت هذه الاستجابات في الإكثار من أشعار المناسبات كالمديح والتهاني والمراثي ذات الطابع الرسمي، وفي الاستجابة للتطور العقلي الذي شهده العصر العباسي الثاني، وفي ظهور مفردات أعجمية في شعره، وفي التعبير عن قضايا خاصة به.

1 ـ كثرة أشعار المناسبات:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير