تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحداثة ... هل هي تيار ادبي ام فكري؟!]

ـ[سليم]ــــــــ[19 - 03 - 2006, 08:43 م]ـ

الحداثة ( modernism ), او ( modernity ), ام هي ( modernization), هذه هي المصطلحات التي وردت في اللغات الغربية, وتخبط العرب في نقلها وترجمتها وخلطوا ما بين التحديث ومبدأ الحداثة الداعي الى التخلي عن كل ما هو معنوي واخلاقي ,وبالتالي فهذا المصطلح هو مذهب فكري قبل ان يتبلور ادبيًا يدعو الى ترك كل ما هو قديم من افكار وقيم ومبادئ واخذ الحريات بكافة واوسع معانيها, ويقول أحد الباحثين في معرض حديثه عن الحداثة كمنهج فكري يسعى لتغيير الحياة " إن من دعاوى أهل الحداثة أن الأدب يجب أن ينظر إليه من الناحية الشكلية والفنية فقط بغض النظر عما يدعوا إليه ذلك الأدب من أفكار، وينادي به من مبادئ وعقائد وأخلاق، فما دام النص الأدبي عندهم جميلا من الناحية الفنية، فلا يضير أن يدعو للإلحاد أو الزنا أو اللواط أو الخمريات أو غير ذلك " عوض القرني، الحداثة في ميزان الإسلام ص 47.

ظهر تيار الحداثة في الغرب نتيجة للمد الطبيعي الذي دخلته أوروبا منذ العصور الوثنية في العهدين اليوناني والروماني، امتدادا إلى عصر الظلمات، مرورا بالعصور المتلاحقة التي تزاحمت بكل أنواع المذاهب الفكرية، والفلسفات الوثنية المتناقضة والمتلاحقة، وقد كان كل مذهب عبارة عن ردة فعل لمذهب سابق، وكل مذهب من هذه المذاهب كان يحمل في ذاته عناصر اندثاره وفنائه.

لقد عشق الغرب شتى المذاهب والتيارات الفكرية بدءا من اعتناق الوثنية، وانتهاء بالانفجار الفكري اليائس الذي عرف بالحداثة، مرورا بالمسيحية وما ترتب عليها من مفاسد الكنيسة وظلمها وظلامها، وبالطبيعة التي هجرها شعراؤها وكتابها ليعشقوا الواقعية المزيفة التي ما لبثوا أن هجروها هربا إلى الكفر والإلحاد بالله كفرا صريحا جاهرا، ثم تحولوا بكفرهم حاملينه من بعد يأس على كواهلهم باحثين عن الخلاص الذي ينتشلهم من غرقهم الإلحادي ليجدوا أنفسهم يغوصون في وحول المادية التاريخية، والجدلية السفسطائية، غير أنهم لم يجدوا ضالتهم فيما بحثوا عنه فارتدوا هاربين ليلقوا بأنفسهم في أحضان الفن للفن، ولكنهم لم تستقر لهم حال فتخبطوا خبط عشواء حتى استقر بهم السبيل إلى مهاوي الوجودية التي كشفت عن كل شيء فجعلت الحرية فوضى، والالتزام تفلتا، والإيمان بالأشياء كفرا " فلم يعد في حياة الغربي إلا أن تنفجر هذه المذاهب انفجارا رهيبا يحطم كل شيء، يحطم كل قيمة، لتعلن يأس الإنسان الغربي وفشله في أن يجد أمنا أو أمانا " الحداثة من منظور إيماني ص 17.

بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على يدي " بودلير " الفرنسي صاحب ديوان " أزهار الشر ". ولكنها لم تنشأ من فراغ، بل هي امتداد لإفرازات المذاهب والتيارات الفكرية ولاتجاهات الأدبية والايدلوجية المتعاقبة التي عاشتها أوروبا في القرون الخوالي، والتي قطعت فيها صلتها بالدين والكنيسة وتمردت عليه، وقد ظهر ذلك جليا منذ ما عرف بعصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، عندما انسلخ المجتمع الغربي عن الكنيسة وثار علي سلطاتها الروحية، التي كانت بالنسبة لهم كابوسا مخيفا، وسيفا مسلطا على رقابهم محاربا لك دعوة للعلم الصحيح، والاحترام لعقل الإنسان وتفكيره، وفكره.

فالحداثة إذن من منظور إسلامي عند كثير من الدعاة تتنافى مع ديننا وأخلاقنا الإسلامية، وهي معول هدم جاءت لتقضي على كل ما هو إسلامي دينا ولغة وأدبا وتراثا، وتروج لأفكار ومذاهب هدامة، بل هي أخطر تلك المذاهب الفكرية، وأشدها فتكا بقيم المجتمع العربي الإسلامية ومحاولة القضاء عليه والتخلص منه، وإحلال مجتمع فكري عربي محله يعكس ما في هذه المجتمعات الغربية من حقد وحنق على العالم الإسلامي، ويروجون بكل اهتمام وجديه من خلال دعاتها ممن يدعون العروبة لهذه المعتقدات والقيم الخبيثة بغرض قتل روح الإسلام ولغته وتراثه.

وقد تغلغلت هذه الحداثة في عالمنا العربي والاسلامي ,وجدت لها في فكرنا وأدبنا العربي تربة خصبة، سرعان ما نمت وترعرعت على أيدي روادها العرب، أمثال غالي شكري، وكاهنها الأول والمنظر لها على أحمد سعيد المعروف " بأدونيس "، وزوجته خالدة سعيد من سوريا، وعبد الله العروي من المغرب، وكمال أبو ديب من فلسطين، وصلاح فضل، وصلاح عبد الصبور من مصر، وعبد الوهاب البياتي من العراق، وعبد العزيز المقالح من اليمن، وحسين مروة من لبنان، ومحمود درويش، وسميح القاسم من فلسطين، ومحمد عفيفي مطر، وأمل دنقل من مصر، وعبد الله القذامي، وسعيد السريحي من السعودية، وغيرهم.

ويقول أدونيس في كتابه التابث والمتحول كما ذكر الدكتور محمد هدارة في مقال له نشر في مجلة الحرس الوطني السعودي: " لا يمكن أن تنهض الحياة العربية، ويبدع الإنسان العربي إذا لم تنهدم البنية التقليدية السائدة للفكر العربي، ويتخلص من المبنى الديني التقليدي الاتباعي ". وهذه الدعوة الصريحة والخبيثة في حد ذاتها دعوة جاهرة للثورة على الدين الإسلامي، والقيم والأخلاق العربية الإسلامية، والتخلص منها، والقضاء عليها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير