وَ تَعرى إِن لَبِستَ لَها ثِيابًا * وَ تُكسى إِن مَلابِسَها خَلَعتا
وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ * كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا
وَ لَم تُخلَق لِتَعمُرها وَ لَكِن * لِتَعبُرَها فَجِدَّ لِما خُلِقتا
وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدمًا * وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا
وَ لا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنها * إِذا ما أَنتَ في أُخراكَ فُزتا
فَلَيسَ بِنافِعٍ ما نِلتَ فيها * مِنَ الفاني إِذا الباقي حُرِمتا
وَ لا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهوًا * فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ * وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها * وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا
وَ نادِ إِذا سَجَدتَ لَهُ اِعتِرافًا * بِما ناداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى
وَ لازِم بابَهُ قَرعًا عَساهُ * سَيفتَحُ بابَهُ لَكَ إِن قَرَعتا
وَأَكثِر ذِكرَهُ في الأَرضِ دَأبًا * لِتُذكَرَ في السَّماءِ إِذا ذَكَرتا
وَ لا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ * وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا
وَ قُل لي يا نَصيحُ لأَنتَ أَولى * بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا
تُقَطِّعُني عَلى التَفريطِ لَومًا * وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَد قَطَعتا
وَ في صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا * وَ ما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختا
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلًا * فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا * كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا
وَ لَم أَشرَب حُمَيًّا أُمِّ دَفرٍ * وَ أَنتَ شَرِبتَها حَتّى سَكِرتا
وَلَم أَحلُل بِوادٍ فيهِ ظُلمٌ * وَأَنتَ حَلَلتَ فيهِ وَ اِنْهَمَلتا
وَلَم أَنشَأ بِعَصرٍ فيهِ نَفعٌ * وَ أَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَ ما انتَفَعتا
وَ قَد صاحَبتَ أَعلامًا كِبارًا * وَ لَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا
وَناداكَ الكِتابُ فَلَم تُجِبهُ * وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَما اِنتَبَهتا
لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعلُ التَصابي * و َأَقبَحُ مِنهُ شَيخٌ قَد تَفَتّى
فَأَنتَ أَحَقُّ بِالتَفنيدِ مِنّي * وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا
وَ نَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها * بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا
فَلَو بَكَت الدّما عَيناكَ خَوفًا * لِذَنبِكَ لَم أَقُل لَكَ قَد أَمِنتا
وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ * أُمِرتَ فَما ائتَمَرتَ وَ لا أَطَعتا
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَ لَستَ تَخشى * لِجَهلِكَ أَن تَخِفَّ إِذا وُزِنتا
وَ تُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي * وَتَرحَمُهُ وَ نَفسَكَ ما رَحِمتا
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا * لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا
وَ لَو وافَيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ * وَناقَشَكَ الحِسابَ إِذًا هَلَكتا
وَ لَم يَظلمكَ في عَمَلٍ وَ لَكِن * عَسيرٌ أَن تَقومَ بِما حَمَلتا
وَ لَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَردًا * وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى
لأَعظَمتَ النّدامَةَ فيهِ لَهفًا * عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا
تَفِرُّ مِنَ الهَجيرِ وَ تَتَّقيهِ * فَهَلاّ عَن جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا
وَ لَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذابًا * وَ لَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا
فَلا تُكذب فَإِنَّ الأَمرَ جِدٌّ * وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتا
أَبَا بَكرٍ كَشَفتَ أَقَلَّ عَيْبِي * وَ أَكثَرَهُ وَ مُعظَمَهُ سَتَرتا
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخَازي * وَضاعِفها فَإِنَّكَ قَد صَدَقتا
وَمَهما عِبتَني فَلِفَرطِ عِلمي * بِباطِنَتي كَأَنَّكَ قَد مَدَحتا
فَلا تَرضَ المَعايِبَ فَهِيَ عارٌ * عَظيمٌ يُورِثُ الإِنسانَ مَقتا
وَ تَهوي بِالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا * وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوقِ تَحتا
كَمَا الطَّاعَاتُ تَنعَلُكَ الدَرارِي * وَتَجعَلُكَ القَريبَ وَإِن بَعُدتا
وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلا * فَتُلفى البَرَّ فيها حَيثُ كُنتا
وَ تَمشي في مَناكِبَها كَريمًا * وَتَجنِي الْحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا
وَأَنتَ الآن لَم تُعرَف بِعَابٍ * وَلا دَنَّستَ ثَوبَكَ مُذ نَشَأتا
وَ لاَ سَابَقتَ في ميدانِ زورٍ * وَلا أَوضَعتَ فيهِ وَ لاَ خَبَبْتَا
فَإِن لَم تَنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ * وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا
وَ دَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى * كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِكَ ما طَهُرتا
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ * وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا
وَخَفْ أَبنَاءَ جِنْسِكَ وَاخْشَ مِنهُم * كَمَا تَخْشَى الضَّرَاغِمَ وَالسَبَنتَى
وَ خالِطهُم وَ زايلهُم حِذارًا * وَكُن كالسَّامِريّ إِذا لَمِستا
وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلامًا * لَعَلَّكَ سَوفَ تَسلَمُ إِن فَعَلتا
وَ مَن لَكَ بِالسَّلامَةِ في زَمانٍ * يَنالُ العُصمَ إِلاّ إِن عُصِمتا
وَ لا تَلبَثْ بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ * يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا
وَ غَرِّب فَالغَريبُ لَهُ نَفاقٌ * وَشَرِّق إِن بَريقَكَ قَد شَرِقتا
وَ لَو فَوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها * سُمُوًّا وَ اِفتِخَارًا كُنتَ أَنتا
وَإِن فَرَّقتَها وَ خَرَجتَ مِنها * إِلى دارِ السَّلامِ فَقدَ سَلِمتا
و َإِن كَرَّمتَها وَ نَظَرتَ مِنها * بِإِجلالٍ فَنَفسَكَ قَد أَهَنتا
جَمَعتُ لَكَ النَّصائِحَ فَاِمتَثِلها * حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما امتَثَلتَا
وَطَوَّلتُ العِتَابَ وَزِدتُ فيهِ * لِأَنَّكَ في البِطَالَةِ قَد أَطَلتا
فَلا تَأخُذْ بِتَقصيري وَ سَهْوي * وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا
وَ قَد أَردَفتُهَا سِتًّا حِسانًا * وَ كانَت قَبلَ ذَا مِئَةً وَسِتّا