تقديره، ولو كان كما ذكر المصنف، لجاز، أيضا في المنكر: لا أبا لرجل طويل ونحوه، تشبيها بالمضاف، ولم يختص هذا الحكم بالمعرف، فإذا قلت: لا غلامين ظريفين لك، لم تحذف النون من غلامين، اتفاقا، أما على مذهب النجاة فلامتناع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بنعت المضاف، وأما على مذهب المصنف، فالفصل بين شبه المضافين بما لا يفصل به بينهما، وأما إن فصلت بالظرف أو الجار والمجرور الناقص، دون الظرف المستقر نحو: لا يدي بها لك ولا غلامي اليوم لك فأجازه يونس اختيارا، لأن الفصل كلا فصل لكثرة ما يتسع في الظروف، ولم يجزه سيبويه والخليل، بل أوجبا إثبات النون، إلا لضرورة الشعر، كقوله: كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس إنقاض الفراريج
وأختم بنص سيبويه في الكتاب
باب المنفي المضاف بلام الإضافة
اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذا قلت: لا غلامَ لك كما يقع من المضاف الى اسم، وذلك إذا قلت: لا مثلَ زيد. والدليل على ذلك قول العرب: لا أبا لك، ولا غلامَيْ لك، ولا مُسلمَيْ لك.
وزعم الخليل رحمه الله أن النون إنما ذهبت للإضافة، ولذلك ألحقت الألف التي لا تكون إلا في الإضافة.
وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول: لا أباك، في معنى لا أبالك، فعلموا أنهم لو لم يجيئوا باللام لكان التنوين ساقطاً كسقوطه في لا مثل زيد فلما جاءوا بلام الإضافة تركوا الاسم على حاله قبل أن تجيء اللام إذ كان المعنى واحداً، وصارت اللام بمنزلة الاسم الذي ثُنّي به في النداء، ولم يغيروا الأول عن حاله قبل أن تجيء به، وذلك قولك: يا تَيْم تَيْم عَديّ، وبمنزلة الهاء إذا لحقت طلحةَ في النداء، لم يغيّروا آخر طلحةَ عما كان عليه قبل أن تلحق، وذلك قولهم: كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ ومثل هذا الكلام قول الشاعر إذا اضطُر، للنابغة: يا بؤسَ للجهل ضرّارا لأقوامِ حملوه على أن اللام لو لم تجئ لقلت يا بؤسَ الجهل.
وإنما فُعل هذا في المنفي تخفيفاً، كأنهم لم يذكروا اللام كما أنهم إذ قالوا يا طلحةَ أقبلْ فكأنهم لم يذكروا الهاء، وصارت اللام من الاسم بمنزلة الهاء من طلحة لا تغيّر الاسم عن حاله قبل أن تلحق، كما لا تغيّر الهاء الاسمَ عن حاله قبل أن تلحق، فالنفيُ في موضع تخفيف كما أن النداء في موضع تخفيف، فمن ثم جاء فيه مثل ما جاء في النداء.
وإنما ذهبت النون في لا مُسلمَيْ لك على هذا المثال، جعلوه بمنزلة ما لو حُذفت بعده اللام كان مضافاً الى اسم وكان في معناه إذا ثبتت بعده اللام، وذلك قولك: لا أباك؛ فكأنهم لو لم يجيئوا باللام قالوا لا مُسلمَيْك فعلى هذا الوجه حذفوا النون في لا مُسلمَي لك، وذا تمثيلٌ وإن لم يُتكلم بلا مسلمَيْكَ. قال مسكين الدارميّ:
وقد مات شماخٌ ومات مزَرِّدٌ ... وأيُّ كريمٍ لا أباكَ يمتَّعُ
ويُروى: مخلّدُ.
وتقول: لا يَدَينِ بها لك، ولا يدينِ اليوم لك، إثبات النون أحسن، وهو الوجه. وذلك أنك إذا قلت: لا يَدَيْ لك ولا أبالك، فالاسمُ بمنزلة اسم ليس بينه وبين المضاف إليه شيء؛ نحو لا مِثل زيد؛ فكما قبح أن تقول لا مثل بها زيد فتفصل، قبح أن تقول لا يَدَي بها لك، ولكن تقول: لا يَدَين بها لك، ولا أبَ يوم الجمعة لك، كأنك قلت: لا يدين بها ولا أبَ يوم الجمعة، ثم جعلت لك خبراً، فراراً من القبح.
وكذلك إن لم تجعل لك خبراً ولم تفصل بينهما، وجئت بلك بعد أن تضمر مكاناً وزماناً كإضمارك إذا قلت: لا رجلَ. ولا بأس، وإن أظهرت فحسن. ثم تقول لك لتبيّن المنفيّ عنه، وربما تركتَها استغناءً بعلم المخاطب، وقد تذكرها توكيداً وإن عُلم من تعني. فكما قبح أن تفصل بين المضاف والاسم المضاف إليه قُبح أن تفصل بين لك وبين المنفي الذي قبله؛ لأن المنفي الذي قبله إذا جعلته كأنه اسمٌ لم تفصل بينه وبين المضاف إليه بشيء، قبح فيه ما قُبح في الاسم المضاف الى اسم لم تجعل بينه وبينه شيئاً؛ لأن اللام كأنها ههنا لم تُذكر.
ولو قلت هذا لقلت لا أخا هذينِ اليومين لك. وهذا يجوز في الشعر؛ لأن الشاعر إذا اضطرّ فصل بين المضاف والمضاف إليه. قال الشاعر، وهو ذو الرمة:
كأن أصواتَ من إيغالهنّ بنا ... أواخرِ المَيس أصواتُ الفراريجِ
¥