تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا أَبَا لَك

ـ[أبو سهيل]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 07:58 م]ـ

في خزانة الأدب للبغدادي

" لا أبا لك " وهذا يكون للمدح: بأن يراد نفي نظير الممدوح بنفي أبيه، ويكون للذم: بأن يراد أنه مجهول النسب وهذا هو المراد هنا. وقال السيوطي في " شرح شواهد المغني ": " هي كلمة تستعمل عند الغلطة في الخطاب، وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم، شتماً له واحتقاراً، ثم كثر في الاستعمال حتى صار يقال في كل خطاب يغلط فيه على المخاطب. وحكى أبو الحسن ابن الأخضر: كان العرب تستحسن لا أبا لك، وتستقبح لا أم لك، لأن الأم مشفقة حنينة ".

وقال العيني: وقد يذكر في معرض التعجب دفعاً للعين، كقولهم: لله درك! وقد يستعمل بمعنى جد في أمرك وشمر، لأن من له أب يتكل عليه في بعض شأنه.

قال اللخمي في شرح " أبيات الجمل ": اللام في لك مقحمة والكاف في محل خفض بها، لأنه لو كان الخفض بالإضافة أدى إلى تعليق حرف الجر، فالجر باللام وإن كانت مقحمة كالجر بالباء وهي زائدة؛ وإنما أقحمت مراعاة لعمل لا؛ لأنها لا تعمل إلا في النكرات، وثبتت الألف مراعاة للإضافة؛ فاجتمع في هذه المسألة شيئان متضادان: اتصال وانفصال: فثبات الألف دليل على الاتصال من جهة الإضافة في المعنى، وثبات اللام دليل على الانفصال في اللفظ مراعاة لعمل لا. فهذه مسألة قد روعيت لفظاً ومعنى. وخبر " لا " التبرئة محذوف، أي: لا أبا لك بالحضرة.

قال المبرّد في " الكامل ": " لا أبا لك هي كلمة فيها جفاء وغلظة، والعرب تستعملها عند الحث على أخذ الحقّ والإغراء، وربّما استعملتها الجفاة من الأعراب عند المسألة والطلب، فيقول القائل للأمير والخليفة: انظر في أمر رعيّتك لا أبا لك.

وسمع سليمان بن عبد الملك رجلاً من الأعراب في سنة مجدبة يقول: " الرجز "

ربّ العباد ما لنا وما لكا ... قد كنت تسقينا فما بدا لكا

أنزل علينا الغيث لا أبا لكا فأخرجه سليمان أحسن مخرج. فقال: أشهد أنّه لا أبا له ولا ولد ولا صاحبة، " وأشهد أن الخلق جميعاً عباده " وهو الأحد الصمد.

وقال رجلٌ من بني عامر بن صعصعة، أبعد من هذه الكلمة لبعض قومه: " الكامل "

أبني عقيلٍ لا أبا لأبيكم ... أبيّ وأيّ بني كلابٍ أكرم "

.

وقال ابن هشام في " شرح بانت سعاد " عند قوله: " البسيط "

فقلت خلّوا سبيلي لا أبا لكم ... فكلّ ما قدّر الرّحمن مفعول

اعلم أنّ قولهم: لا أبا له، كلامٌ يستعمل كناية عن المدح والذمّ، ووجه الأوّل أن يراد نفي النّظير الممدوح بنفي أبيه، ووجه الثاني أن يراد أنّه مجهول النسب. والمعنيان محتملان هنا؛ أمّا الثاني فواضح لأنّهم لما لم يغنوا عنه شيئاً أمرهم بتخلية سبيله ذامّاً لهم؛ وأمّا الأوّل فعلى وجه الاستهزاء انتهى.

وزاد عليه شارحها البغداديّ قال: تقول العرب لا أبا لك ولا أب لك، يستعمل في التفجّع والتعجّب، ويقال في المدح والذم؛ وربّما قالوا لا أباك وهو نادر. وأمّا لا أمّ لك فلا يقال إلاّ في الذّم وحده، دلّ على ذلك استقراء كلام العرب.

وقال ابن جنّي في " الخصائص ": إن قلت إنّ الألف في لا أبا لك تؤذن بالإضافة والتعريف، واللام تؤذن بالفضل والتنكير، فقد جمعت على الشيء الواحد في الوقت الواحد معنيين ضدّين " وهما التعريف والتنكير. وهذا كما ترى متدافعان، " قلت: الفرق واضح؛ فإنّه كلام جرى مجرى المثل، فإنّك لا تنفي في الحقيقة أباه وإنما تخرجه مخرج الدعاء عليه، أي: أنت عندي مّمن يستحقّ أن يدعى عليه بفقد أبيه. كذا فسّره أبو عليّ، وكذلك هو لمتأمّله؛ ألا ترى أنه قد أنشد توكيداً لما رآه من هذا المعنى فيه قوله: " الطويل " وتترك أخرى فردةً لا أخا لها ولم يقل لا أخت لها؛ ولكن لّما جرى هذا الكلام على أفواههم لا أبا لك ولا أخا لك، قيل مع المؤنّث على حدّ ما يكون عليه مع المذكّر، فجرى نحواً من قولهم لكلّ أحدٍ: من ذكر وأنثى، واثنين واثنتين وجماعة: الصّيف ضيّعت اللبن - على الأنيث، لأنّه كذا جرى أوّله.

وأما قوله:

أبا لموت الذي لا بدّ أنّي ... ملاقٍ لا أباك تخوّفيني

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير