تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[زينب محمد]ــــــــ[25 - 07 - 2007, 12:42 ص]ـ

*البلاغة:

نشأة قضية الإعجاز القرآني في الأساس نشأة بلاغية، فقد نزل القرآن على الرسول – صلى الله عليه وسلم-، وأنكر مشركو قريش كون القرآن وحيًا من عند الله، وزعموا أنه من عند محمد، فتحداهم القرآن أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، فظل يتدرج معهم في التحدي إلى حد مطالبتهم بسورة من أقصر سوره فعجزوا، ولقد كان مشركو قريش يدركون بفطرتهم اللغوية الناصعة أن في النظم القرآني شيئًا يخرج عن طوق البشر واستطاعتهم. وفي هذا المعنى يقول الجرجاني *1:

" أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آيه ومقاطعها، ومجاري ألفاظها ومواقعها ... " هذا الشيء عبر عنه واحد من أشهر جبابرة قريش عتوًا ومكابرة – الوليد بن المغيرة- أروع تعبير: "لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمندق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه ".

ولقد كان العرب في بداية الدعوة الإسلامية على قدر من نصاعة الفطرة اللغوية، تمكنهم من إدراك هذا الجانب من جوانب الإعجاز القرآني، فلم تكن هناك حاجة ملحة إلى اهتمام خاص بهذه القضية. ولكن بعد اتسعت رقعة

الدولة الإسلامية، ودخل في الإسلام أمم ليس لسانها العربية، ولا يتوافر لها هذا الحس المرهف للإعجاز القرآني، بدأ يتبلور إحساس قوي بالحاجة إلى الاهتمام بالإعجاز القرآني، وإبراز جماليات أساليبه القرآنية.

فكان من أوائل من ألف فيها هو أبو عبيدة، "فيقول: أرسل إليَّ الفضل بن الربيع، إلى البصرة، في الخروج إليه، سنة ثمان وثمانين ومائة، فقدمت إلى بغداد، واستأذنت عيه فأذن لي ودخلت عليه ... ثم دخل رجل في زيِّ الكُتَّاب، له هيئة، فأجلسه إلى جانبي، وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا أبو عبيدة علامة البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرّظه لفعل هذا، وقال لي: إني كنت مشتاقًا، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن

لي أن أعرّفك إياها؟ قلت: هات. قال: قال الله عز وجل:" طلعها كأنه رؤوس الشياطين"، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله، وهذا لم يعرف! فقلت: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال.

وهم لم يروا الغول قط، ولكنهم لما كان أمر الغول يهولهم، أُوعِدوا به. فاستحسن الفضل ذلك، واستحسنه السائل، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابًا في القرآن، في مثل هذا وأشباهه، وما يحتاج إليه من علمه، فلما رجعت إلى البصرة، عملت كتابي الذي سميته: المجاز" *2.

ثم تطور هذا العلم، وافتنَّ، وتشعبت مسالكه، فنظر الكتاب والشعراء والعلماء، إلى ما في القرآن من جزالة اللفظ،

وبديع النظم، وحسن السياق، والإطناب والإيجاز ... وغير ذلك، واستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع.

ومن أجل ذلك يقول الرافعي *3:

" إن القرآن كان علم البلاغة عند العرب، ثم صار بعدهم بلاغة هذا العلم".

1 - دلائل الإعجاز للجرجاني.

2 - فصول في فقه العربية د. رمضان عبد التواب.

3 - إعجاز القرآن الرافعي.

يتبع

ـ[زينب محمد]ــــــــ[26 - 07 - 2007, 02:50 ص]ـ

* التفسير:

نزل القرآن بلغة فصحى أعجزت العرب، وجعلتهم يقفون حيارى أمام هذا العجب الذي لا ينقضي، بما هوتناول بها من المعاني الدقيقة التي أبرزها في جلال الإعجاز، وما ركبها به من المطاوعة في تقليب الأساليب، وتحول التراكيب إلى التراكيب.فمنذ ذلك الحين اعتنى المفسرون بألفاظه، وتوضيح آياته، وتبيين أسراره،.ولذلك أخذ الناس في الصدر الأول للإسلام، يسألون كبار الصحابة، عن تفسير آياته، وغريب ألفاظه، "واللفظة الغريبة ههنا: هي التي تكون حسنة مستغربة في التأويل، بحيث لا يتساوى في العلم بها أهلها وسائر الناس " *1

وجميعها روي تفسيرها بالسند الصحيح عن ابن عباس –رضي الله عنه-. فقد كان يُسأل عن ألفاظ معينة من القرآن الكريم، ويفسرها للناس ويستشهد على تفسيرها بأبيات من الشعر العربي. وكان –رضي الله عنه-،يقول: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك.

ومن تلك الأسئلة التي وجهت إليه.

حين سأله رجلان، فقالا: يا ابن عباس، أخبرنا عن قول الله عز وجل (عن اليمين وعن الشمال عزين)!

قال: عزين: حَلَق الرفاق، قالا: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عبيد بن الأبرص، وهو يقول:

فجاءوا يهرعون إليه حتى = يكونوا حول منبره عزينا؟

فقالا: أخبرنا عن قول الله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة)! قال: الوسيلة: الحاجة.قالا: أو تعرف العرب ذلك؟ قال نعم. أما سمعت عنترة العبسي، وهو يقول:

إن الرجال لهم إليك وسيلة = إن يأخذوك تكحلي وتخضبي؟

وبذلك يمكننا أن نعد تفسير ابن عباس للقرآن على هذا النحو، نواة للمعاجم العربية. فقد بدأت الدراسة في هذا الميدان من ميادين اللغة، بالبحث عن معاني الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم *2 وكان الصحابة يسمون فهم هذا الغريب (إعراب القرآن) لأنهم يستبينون معانيه ويخلصونها، وقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه -: (أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه).

وهذا أبو حاتم الرازي يقول:" ولولا ما بالناس من الحاجة إلى معرفة لغة العرب، والاستعانة بالشعر على العلم بغريب القرآن، لبطل الشعر، وانقرض ذكر الشعراء، ولعفى الدهر على آثارهم، ونسي الناس أيامهم" *3

وهكذا نرى أن القرآن الكريم، كان محورًا لجميع الدراسات العربية، التي قامت في الأساس لخدمته، ومن بينها الدراسات اللغوية، ولولاه لاندثرت اللغة العربية الفصحى، وأصبحت لغة أثرية، تشبه اللاتينية أو السنسكريتية.

1 - إعجاز القرآن للرافعي

2 - فصول في فقه العربية د. رمضان عبد التواب

3 - فصول في فقه العربية د. رمضان عبد التواب

انتهى بحمد الله ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير