تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتجد العربي يقول عن مولاه، من الولاية بفتح الواو التي هي المحبة والنصرة، تجده يقول: هو مني وأنا منه، وفي حديث جليبيب رضي الله عنه: (قتل سبعة من المشركين وقتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهل عنى النبي صلى الله عليه وسلم أن جليبيب جزء منه، بالمعنى الحسي، فيكون جليبيب بضعة من جسد النبي صلى الله عليه وسلم، أم أنه أضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتنويه بذكره؟!!

وفي التنزيل:

(ناقة الله)، فهل المعنى: الناقة التي يستعملها الباري، عز وجل، استخدام البشر لنوقهم، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، أم أن المقصود: ناقة، وإن اشتركت مع بقية النوق في كونها مخلوقة، إلا أنها ليست كباقي النوق، فهي معجزة نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام، فتكون الإضافة من باب التشريف أيضا؟.

وفيه أيضا:

(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ)، فأضاف البيت لنفسه، فهل المقصود: البيت الذي يقطنه كما يقطن البشر البيوت التي تكنهم، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا، أم أن المقصود: تشريف البيت الحرام بإضافته للباري، عز وجل، فهو يشترك مع بقية البقع المخلوقة من جهة الخلق، ولكنه يختلف عنها من جهة المكانة، فليست ذوات وحقائق المخلوقات واحدة، وإن اشتركت في أصل الخلق، فلا عاقل يقول بأن ذات المسك وذات البول، أكرمكم الله، متماثلتان لمجرد اشتراكهما في اسم الذات، أو كونهما سائلين، أو مخلوقين .......... إلخ من أوجه الاشتراك بينهما والتي لا تمنع تفاضلهما في الحقيقة.

ولابن القيم، رحمه الله، بحث لطيف في هذه المسألة عن تفاضل الذوات والأمكنة والأزمنة عقده في أوائل سفره الرائع: "زاد المعاد"، فليراجع، فإنه عظيم النفع، غزير الفائدة.

وفيه:

(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، و: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)، فأضاف المسيح، عليه الصلاة والسلام، في الأولى، ومحمدا، عليه الصلاة والسلام، في الثانية، لنفسه، إضافة تشريف، كما سبق بيانه في معنى: العبودية العامة والعبودية الخاصة التي يلزم منها تشريف العبد والتنويه بذكره مضافا إلى معبوده.

وهكذا في بقية الآيات التي ورد فيها إضافة بعض مخلوقات الباري، عز وجل، لذاته القدسية.

وقد أشار أبو العباس بن تيمية، رحمه الله، إلى ضابط لطيف، تزول به شبهة المعتزلة القائلين بخلق القرآن، لأنه: كلام الله، فأضافه الله، عز وجل، إلى نفسه، فأجراه القوم مجرى: عبد الله، و: ناقة الله ......... إلخ، وقالوا: هي إضافة مخلوق إلى خالقه إضافة تشريف!!!!، فقال ما معناه:

إن الإضافة إن كان المضاف فيها مما يستقل بذاته، كالبيت والعبد والناقة، فهي فعلا إضافة تشريف.

وأما إن كان مما لا يستقل بذاته، كـ: الكلام، فهو صفة، والصفة لا تستقل بذاتها، إذ لابد لها من موصوف تقوم به، فلم ير أحدنا يوما كلاما مستقلا بذاته تصح الإشارة إليه على أنه ذات: تذهب وتجيء، وتمشي وتقعد، وتفرح وتغضب، ............... إلخ من خصائص الذوات المستقلة، إن كان كذلك، فالإضافة فيه: إضافة صفة إلى موصوف، والصفة فرع عن موصوفها.

وإلى ذلك أشار الخطابي، رحمه الله، صاحب "معالم السنن"، إمام الشافعية في زمانه، المتوفى سنة 388 هـ، بقوله:

"والأصل في هذا: أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله. فإذا كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف".

نقلا عن "الفتوى الحموية الكبرى"، ص45.

وأشار إليه الناظم، أيضا، في بيت لطيف:

وما نقول في صفات قدسه ******* فرع الذي نقوله في نفسه

فكما أن ذات الله، عز وجل، غير مخلوقة، فكذا صفاته، ومنها الكلام، غير مخلوقة، فبطلت حجة النصارى بـ: الأصل الأول: إضافة المخلوق إلى خالقه، وبطلت حجة المعتزلة بـ: الأصل الثاني: إضافة الصفة إلى الموصوف، وكفى الله المؤمنين شر القتال!!!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير