تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقد صدق! فحينما تتهاوى اللغة تتساقط معها أعمدة العقيدة والتاريخ والثقافة في شخصية الفرد والشعب، بل والأمة بأجمعها!! والآن فإن الأخطار على لغتنا العربية تداهمنا من كل جانب: من فوق رؤوسنا، ومن تحت أرجلنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا: فقوى البث باللغات الأجنبية تتزايد من مختلف قنوات التلفاز العالمية، وتقتحم لغة التعليم في كثير من المعاهد في بلادنا، وغيرها من البلاد العربية، كما يتسرب المزيد من التعابير الأجنبية التي لا ضرورة لها في لغة التعامل اليومية حتى تكاد تحاصر لغتنا في مواطنها الأصلية.

...

لقد استطاعت شعوب لا يزيد تعدادها على بضعة ملايين نسمة كالشعب الدانماركي والنرويجي واليسلندي أن تستخدم لغاتها المحلية في الجامعات، فهل نعجز نحن وتعجز لغة حملت حضارة العالم أكثر من أربعة عشر قرناً ومهدت لحضارة الغرب بتسليمها تلك الحضارة عبر بوابة الأندلس .. الحضارة التي يرثيها الكاتب الفرنسي أناتول فرانس ويحزن لهزيمة المسلمين العرب في "معركة بواتييه" فيعد عام 732م الموافق 114هجرية أحلك يوم في التاريخ، ويقول: "حينما تراجع (العلم) و (الفن) و (الثقافة) العربية أمام همجية الفرنجة" .. انظر وتأمل!! هل تعجز هذه اللغة حقاً عن تدريس العلوم بلغتها في مدارسها وجامعاتها؟؟ لا والله إنها لا تعجز!

...

لقد طرحت مؤخراً - على عدد من أساتذة الجامعات والعلماء في مجال العلوم الهندسية، والطبية، والفيزيائية، والرياضيات من أقطار عربية مختلفة، وبعضهم يعيش في الغرب ويحمل جنسية البلد الذي يعمل فيه، سؤالاً محدداً هو: "هل اللغة العربية قادرة على استيعاب العلوم الطبيعية والتطبيقية المعاصرة؟ "، فكان جوابهم جميعاً بالإيجاب، بل إنهم دعوا بشكل ملح إلى أن يكون تعليمنا الجامعي في كل التخصصات باللغة العربية.

...

يقول الدكتور أحمد شفيق الخطيب (من فلسطين) في إحدى مساهماته في مؤتمر مجمع اللغة العربية: "لقد كان المنتدبون والمستعمرون يرون في اللغة العربية، لغة الدين والتراث والتاريخ المشترك، عامل توحيد في الوطن العربي يقض مضاجعهم، فبذلوا ما في وسعهم لمحاربة هذا العنصر بشتى الطرائق، مستغلين خلافاتنا الجاهلية وانتماءاتنا القبلية والعرقية والطائفية والمذهبية، ونحن مسوقون ندري ولا ندري. "ولا ننكر أنهم حققوا كثيراً من مبتغاهم حين أفتوا، ونفذوا فتواهم كرهاً، بعدم صلاحية اللغة العربية لأن تكون لغة العلم والحضاريات التقانية المعاصرة، وقرنوا هذه مع المكانة الاجتماعية وإمكانات الرفاه باللغة الأجنبية، واستطاعوا بفعل الإشراط النفساني وطول الممارسة أن يؤصلوا فينا مركب النقص لتقبل هذا الواقع الشاذ كأمر طبيعي، بقوة الاستمرار".

"وهم طبعاً ما نفذوا إلا ما أملته مبادئ السياسات المتعارفة في اخضاع الشعوب عن طريق قهرهم وإذلالهم بإذلال تراثهم وتقاليدهم وإضعاف لغاتهم القومية وحجبها عن دورها الطبيعي الاجتماعي والحضاري".

...

وفي مناسبة أخرى قال الدكتور الخطيب: "إن الذين اغتصبوا أرضنا (فلسطين) عبرنوا العلوم على اختلافها والابحاث بمختلف تقاناتها بلغة موات! لغة أقاموها من العدم بعد دثور دام عشرين قرناً وجعلوا منها أداة حضارية ووسيلة ترابط جامعة أسهمت في خلق الكيان الصهيوني وتوحيد شراذم المهاجرين المتعددي المشارب واللغات".

...

ويرى الأستاذ الجامعي المرموق الدكتور عبدالحافظ حلمي محمد "أن تعريب تدريس العلوم في الجامعة أصبح ضرورة ملزمة وأننا لا نكاد نعرف بين أمم العالم صغيرها وكبيرها أمة تقدم العلم لأبنائها بغير لغتهم سوى ما يحدث في بعض الجامعات العربية ويقول عالم فيزيائي آخر: "إن التعليم في كل مراحله، وفي كل مجالاته يتم باللغة الأم عند جميع الناس في كل أنحاء العالم إلا - ويا للأسف - عندنا في بعض الكليات في العالم العربي".

(ماذا يقول هؤلاء العلماء لو عرفوا أننا في المملكة العربية السعودية نفكر في أن تكون لغة التعليم في بعض مدارسنا (مدارس التعليم العام) - التي تحتضن أبناءنا - لغة غير عربية)؟!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير