تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ " يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، وَكَذَا رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ " مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ".

فكريمة قد خالفت جمعا من الثقات شاركوها في الرواية عن الكشميهني، فحكم على روايتها بالشذوذ، الذي يحاكي الشذوذ الاصطلاحي في قرون الرواية الشفوية الذي هو: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وقد رجح الحافظ، رحمه الله، شذوذ روايتها من جهة:

مخالفتها لمن شاركها من الحفاظ في الرواية عن الكشميهني.

ومن جهة: روايات أخرى خارج الصحيح أيدت رواية من خالفها من الحفاظ.

فيقال عندئذ: "وقع في بعض نسخ البخاري"، وهي هنا نسخة: "كريمة": لفظ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ" بنفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في أيام التشريق، وهو مخالف لرواية الجماعة عن الكشميهني، مع كونه موافقا لظاهر الترجمة، بادي الرأي، وهو ما تكفل الحافظ، رحمه الله، ببيانه، إذ يقول:

"فظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، (أي زال الشذوذ بقبول رواية الجماعة والحكم على رواية كريمة بالشذوذ)، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّيْءَ يُشْرِفُ بِمُجَاوَرَتِهِ لِلشَّيْءِ الشَّرِيفِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ تَقَعُ تِلْوَ أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

ثَانِيهَا: أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا شُرِّفَ لِوُقُوعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِيهِ، وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّاتِهِ فَصَارَتْ مُشْتَرِكَةً مَعَهَا فِي أَصْلِ الْفَضْلِ، وَلِذَلِكَ اِشْتَرَكَتْ مَعَهَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا.

ثَالِثُهَا: أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هُوَ بَعْضُ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَكَمَا أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَهُوَ مُفْتَتَحُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَمَهْمَا ثَبَتَ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ الْفَضْلِ شَارَكَتْهَا فِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بَلْ هُوَ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهَا وَشَرِيفُهُ وَعَظِيمُهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ". اهـ

وهذا التوجيه أقل ما فيه أنه يزيل اللبس في مسألة: تعدد النسخ، واختلاف ألفاظها، وكيفية الترجيح بينها.

فالأمر لا يعدو كونه اختلافا في بعض نسخ الكتاب، لا أصله، الذي وصل إلينا بالتواتر، ولو كان الخلاف في قرون الرواية الشفوية قبل أن تدون الأحاديث في المصنفات، لزال الإشكال بهذا الترجيح بعد أن تعذر الجمع، فكيف والترجيح الآن بين نسخ من أصل واحد وقع فيها بعض الاختلاف، تماما كالاختلاف الذي يقع من النساخ لكتاب واحد في بعض مواضع منه، ولذا يلجأ المحقق، إلى الاعتماد على عدة نسخ خطية، فيقول: زاد فلان في نسخة كذا: كذا ....... إلخ، وكلما زاد عددها زادت جودة تحقيقه.

وبقيت مسألة أشار إليها الشيخ الدكتور: محمد بن عبد الكريم بن عبيد، حفظه الله، أستاذ السنة النبوية وعلومها المشارك بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بقوله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير