تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهنا تنبيه مهم أنه قد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام, أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالهلال لا بخبر الحاسب؛ ومعنى خبر الحاسب: أي عدم رؤية الهلال بل الاكتفاء بالحساب الفلكي, وتحديد يوم الصوم قبل رؤيته بسنوات؛ كما يحدث في تركيا الآن مثلاً؛ فذلك لا يجوز.

والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يُعرف فيه خلاف قديم ولا خلاف حديث. [ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء الخامس والعشرين من مجموع الفتاوى ص 132 - 133] الدليل على ذلك قوله تعالى: ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ? (البقرة:189)؛ فأخبر تعالى أنها مواقيت للناس, وهذا في جميع أمورهم. وقال تعالى:? وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ? (يس:39)؛ وقال تعالى: ? هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ? (يونس:5)؛ فقوله (لتعلموا) مُتعلق - والله أعلم - (بقدَّرَهُ) لا (بجَعَلَ) , لأن كونه هذا ضياء وهذا نوراً لا تأثير له في معرفة عدد السنين والحساب، وإنما يُؤثر في ذلك انتقالهما من برجٍ إلى برج، ولأنَّ الشمس لم يُعَلِّق لنا بها حساب شهر ولا سنة، وإنما عُلِّقَ ذلك بالهلال, كما دلَّت على ذلك تلك الآية الكريمة: ? إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ? (التوبة:36)؛ فأخبر أن الشهور معدودة إثنا عشر شهراً، والشهر هلال بالاضطرار, والحساب بالهلال شيء ظاهر لكل

الناس ميسّر للعالم والجاهل, لأنه شيء مرئي. [مجموع الفتاوى ج25] والعمل بالحساب ربما أدّى إلى ترك صيام يوم هو من رمضان، أو صيام يوم ليس من رمضان وذلك إثم ومعصية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [ملتقى الأبحر الجزء الأول ص197]

ولهذا العمل بالحسابات في دخول شهر رمضان عدّه العلماء بدعة، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم نصّ في المسألة: ”صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.“ فإذا أخبر المسلم البالغ العاقل الموثوق بخبره لأمانته وبصره أنه رأى الهلال بعينه, عُمل بخبره, وبهذا صدرت الفتاوى للجنة الدائمة لهيئة كبار العلماء وهذا نصها:

السؤال: هل يجوز للمسلم الاعتماد في بدء الصوم ونهايته على الحساب الفلكي، أو لابد من رؤية الهلال؟

الجواب: الحمد لله, الشريعة الإسلامية شريعة سمحة وهي عامة شاملة أحكامها جميع الثقلين الإنس والجن، على اختلاف طبقاتهم علماء وأميين, أهل الحضر وأهل البادية، فلهذا سهل الله عليهم الطريق إلى معرفة أوقات العبادات، فجعل لدخول أوقاتها وخروجها أمارات يشتركون في معرفتها، جعل زوال الشمس أمارة على دخول وقت المغرب وخروج وقت العصر، وغروب الشفق الأحمر أمارة على دخول وقت العشاء مثلاً، وجعل رؤية الهلال بعد استتاره آخر الشهر أمارة على ابتداء شهر قمري جديد وانتهاء الشهر السابق، ولم يكلفنا معرفة بدء الشهر القمري بما لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس، وهو علم النجوم أو علم الحساب الفلكي، وبهذا جاءت نصوص الكتاب والسنة بجعل رؤية الهلال ومشاهدته أمارة على بدء صوم المسلمين شهر رمضان، والإفطار منه برؤية هلال شوال، وكذلك الحال في ثبوت عيد الأضحى ويوم عرفات قال تعالى: ? فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ? (البقرة:185)؛ وقال تعالى: ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ? (البقرة:189)؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”إذا رأيتموه فصوموا, وإذا رأيتموه فأفطروا, فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين.“؛ فجعل عليه الصلاة والسلام الصوم لثبوت رؤية هلال شهر رمضان، والإفطار منه لثبوت شهر شوال، ولم يربط ذلك بحساب النجوم وسير الكواكب، وعلى هذا جرى العمل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة والقرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل والخير، فالرجوع في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير