المتأخرين وأحدث سبباً لم يشرعه الله، ولا عبرة بهذا الشذوذ مع انعقاد الإجماع الفقهي قبله والإجماع العملي أيضاً, فقد جرى العمل في كافة العصور الإسلامية الزاهرة، حيث تقدم المسلمون في علم الفلك، وأنشئوا المراصد الفلكية، ومع ذلك منعوه من الدخول في مجال العلل الشرعية للأحكام، بل لا يكاد يُعرف قاض – منذ عرف الإسلام القضاء إلى اليوم – قضى بالحساب الفلكي, وما زال القضاة يلون استشراف الهلال بأنفسهم، أو ينتظرون الشهود العدول بالمحاكم حتى يجيئوا لهم، والمحاكم الشرعية العليا في مصر لم تأذن قط في إثبات الرؤية بالحساب الفلكي, منذ أنشئت إلى أن ألغيت، وكذلك دار الإفتاء من بعدها.
قال الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة الإمام قاضي مدينة برقة محمد بن الحبلى أنه ”أتاه الأمير، فقال: ”غداً العيد!؟ “، قال: ”حتى نرى الهلال، ولا أفطر الناس وأتقلد إثمهم! “، فقال: ”بهذا جاء كتاب المنصور! “ – وكان هذا رأى العبيدية الفاطميين, يفطرون بالحساب، ولا يعتبرون رؤية – فلم يُر هلال،فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد، فقال القاضي: ”لا أخرج ولا أصلي“، فأمر الأمير رجلاً خطب، وكتب بما جرى إلى المنصور، فطلب القاضي إليه، فأُحضر، فقال له: ”تنصل، وأعف عنك! “ فامتنع، فأمر، فعُلق في الشمس إلى أن مات، وكان يستغيث العطش، فلم يُسق، ثم صلبوه على خشبة. فلعنة الله على الظالمين.
الشبهة الثانية: قالوا إن قول الرسول ”نحن أمة أمية“ كان ذالك في زمان الرسول, أما الآن
فلا؛ والجواب أن قول الرسول نحن امة أمية خطاب لأمته؛ قال علية الصلاة والسلام في الحديث المتفق علية من رواية أبى هريرة: ”كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي.“؛ ومقتضى أن لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم أن لا نسخ لشريعته بعد وفاته, وإنما نسَخَت شريعته الشرائعَ السابقة. كيف وقد أجمعت الأمة على العمل برؤية الهلال, لا بالحساب الفلكي كما تقدم. هذا وقد قال الشيخ عبد الكريم زيدان في جواب على سؤال حول ثبوت شهر رمضان ما نصه: ”والحكمة في ثبوت ابتداء رمضان وانتهائه بالرؤية, وليس بالحسابات الفلكية، أن العبادات التي تعتمد على المواقيت كالصلاة، والصيام، والحج جعل الشرع الإسلامي الحنيف ثبوتها مرتبطًا بالأمور المحسوسة التي يستوي في العلم بها العالم والجاهل وأهل البوادي والحواضر، كطلوع الشمس وغروبها، وطلوع الفجر، وطلوع الهلال، وهذا من فضل الله على عباده إذ ربط هذه العبادات المفروضة عليهم جميعًا بهذه العلامات الظاهرة التي يستوون في العلم بها.“ انتهى كلام الشيخ عبد الكريم زيدان.
الخلاصة مما ذكر أنه لا يجوز العمل بالحساب الفلكي في ثبوت الشهر وهو بدعة محدثة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
ـ[ضاد]ــــــــ[30 - 08 - 2008, 11:49 ص]ـ
مسألة اختلاف المطالع وهل هي معتبرة أو لا:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.“؛ فلماذا لا تصوم كل الدول الإسلامية في اليوم نفسه؟
هذه المسألة التي يسميها العلماء عموم الرؤية لعموم المسلمين؛ أي رؤية واحدة في بلد واحد تكفى عموم المسلمين؛ أو خصوصها فتكون لكل بلد من بلدان المسلمين رؤيتهم.
يقول جمهور الفقهاء بعموم الرؤية لعموم المسلمين, وعند مالك أن لكل بلد رؤيتهم. وجاء في السنة ما يؤيد قول الإمام مالك؛ فقد جاء أن كريبا أرسلته أم سلمة أم المؤمنين في حاجة لها إلى معاوية رضي الله عنه في الشام فكان سفره في آخر شعبان فوصل إلى الشام في بداية رمضان ورأى المسلمون رمضان ليلة الجمعة وقضى كريب حاجته في آخر رمضان فجاء إلى المدينة فلقيه ابن عباس فذكر كريب إلى ابن عباس أنهم رأوا الهلال في الشام عند معاوية ليلة الجمعة, فقال ابن عباس: نحن ما رأيناه إلا ليلة السبت, فقال كريب: ألا تكتفون برؤية معاوية وتعيِّدون معهم وتقضون ليلة الجمعة التي فاتتكم؟ فقال ابن عباس: لا سنكمل ثلاثين يوما إلا أن نرى الهلال, هكذا أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو واقع المسلمين؛ إن كل بلد يجعل له رؤية خاصة, وهذا خلاف الأولى, وهو أن تكون رؤية واحدة لكل المسلمين لتحقيق وحدة المسلمين, وهذا مقصد شرعي معتبر, ولكن على ما هو واقع اليوم تترتب مسألة مهمة, وهي أن بعض الناس يصومون في بلد ثم يسافرون إلى بلد آخر تكون الرؤية مختلفة فيه كأن يكونوا صاموا قبلهم أو بعدهم. وإليكم بعض الأمثلة:
الحالة الأولى: صام المسلمون في ألمانيا يوم السبت وصام رجل معهم, ثم سافر إلى مصر في أثناء رمضان, ومصر كانت بدأت الصيام يوم الأحد؛ فإذا أكمل هو الصيام ثلاثين يوما على حسب بدء صيامه يكونون هم في مصر قد صاموا تسعة وعشرين يوما, فإذا لم يروا الهلال سيكملون الثلاثين, فإذا صام معهم سيكون قد صام واحدا وثلاثين يوما وهذا لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: ”الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون.“ في هذه الحالة يفطر سرا حتى لا يسيء الناس به الظن ويعيِّد معهم.
الحالة الثانية: رجل صام في مصر يوم الأحد ثم سافر ألمانيا في أثناء رمضان, وكانت مصر بدأت الصيام يوم السبت, وكان العيد في ألمانيا يوم تسع وعشرين, فيكون هو قد صام ثمانية وعشرين يوما؛ فهنا العبرة بالبلد الذي سوف يعيِّد فيه, فيفطر ويعيِّد معهم ويبقى عليه يوم يقضيه.
الحالة الثالثة: أن يتفق البَلَدان الذي سافر منه والذي سافر إليه في الصيام والإفطار, فلا إشكال بحمد الله.
¥