تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام.“ وفى الاعتماد على الحساب الفلكي إهدار للعلة الشرعية، وإسقاط لحجية الرؤية الشرعية والحجية القضائية لحكم المحاكم الشرعية، واعتبار لما ألغاه الشرع وهو الحساب الفلكي، وشذوذ عن اتفاق من يعتد به من أهل العلم وفقهاء المذاهب الذين حُكي عنهم الإجماع على عدم جواز العمل به. ويترتب عليه عند معارضته مع الرؤية الشرعية: أولا عدم صوم أول رمضان إذا كانت المخالفة بدايته؛ وثانيا عدم فطر يوم العيد إذا كانت المخالفة في نهايته. وبالتالي انتهاك حرمة النص القرآني: ? فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ? (البقرة:185)؛ وحرمة نص السنة الشريفة: ”صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته“؛ وانتهاك حرمة الصوم بمنع الناس من صيام أول رمضان،

وانتهاك حرمة العيد بمنعهم من إفطار يومه، مما يؤدى إلى تعطيل أحكام الله، وإثارة القلاقل والاضطراب، وزيادة الفرقة والانقسام بين المسلمين.

وأما بالنسبة إلى الخطأ الثاني: فهو إحداث علة للصوم والفطر لم يشرعها الله سبحانه, وهى الحساب الفلكي وإضفاء الحجية عليها، وبيان ذلك: أن الله سبحانه وتعالى ربط أحكامه بعلل وأسباب شرعية, فإذا وجدت العلة الشرعية وجد حكم الله، وإذا انتفت انتفى حكم الله، ولا يملك أحد أن يغير هذه العلل ولا أن يبدلها. وقد ثبت بالكتاب والسنة أن علة وجوب الصوم والفطر هي المشاهدة ورؤية الهلال بصرياً. وليست العلة مجرد وجوده علمياً، في السماء من غير رؤية حسية بالعين، قال تعالى: ? فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ? (البقرة:185)؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ”صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته“؛ فرتب وجوب الصوم والفطر على رؤية الهلال بالعين، لا على العلم بوجود الهلال فلكياً دون رؤية بصرية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ”صوموا لوجود الهلال أو ثبوته“, حتى يعم الوجود كلاً من الوجودين الفلكي والبصري، بل قال: ”صوموا لرؤيته“, والرؤية أخص من الوجود، فقد يوجد الهلال فلكياً, ولكن لا يُرى لأسباب كثيرة، فلا يجب الصوم، أضف إلى هذا أن الشق الأخير من الحديث يدل دلالة قاطعة على أن وجود الهلال ليس هو العلة، وإنما العلة هي تحقق الرؤية الحسية الملموسة، وذلك لأن قوله صلى الله عليه وسلم ”فإن غم عليكم“ أو ”حال بينكم وبينه سحاب“ كما في بعض الروايات، يفيد بأنه عند وجود الهلال وراء الغيم أو غيره يجب عدم الصوم، وإكمال الشهر ثلاثين يوماً، مما يقطع بأن العلة ليست هي مجرد وجود الهلال، وإنما هي أخص من ذلك، ألا وهي: تحقق الرؤية البصرية، وبهذا ألغى الشارع الحكيم اعتبار الوجود العلمي للهلال علة للصوم أو الفطر، وأكد على أن الوجود الحسي البصري هو العلة، وليس ذلك لأن قوة درجة الحساب الفلكي في الإثبات أقل من درجة الشهادة على الرؤية، أو لعدم صحة مقدمات ونظريات علم الفلك, ولكن لأن رحمة الله بعباده اقتضت أن يعلق أسباب عبادتهم وعللها بأمور حسية ملموسة لكل المكلفين، دفعاً للحرج والمشقة على الناس، وأن تكون علل الأحكام وأسبابها ثابتة وحسية وعامة يسهل إدراكها لجميع المكلفين دون مشقة، وألا ترتبط هذه العبادات بأمور عقلية علمية معنوية لا يدركها كل الناس، ولا كل من يريد أن يلتمسها حتى يتحقق عموم العلة مع عموم التكليف، ويسر إدراكها مع يسر أدائه.

إن الله سبحانه يعلم ما سيصل إليه علم الفلك من شأن عظيم في مستقبل الأيام، لكنه سبحانه ألغى اعتباره في إثبات علل العبادات، وذلك فيما أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه قوله: ”إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وأشار بيده“ أي: تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً، فهذا دليل واضح على رفض الأخذ بالحساب الفلكي في إثبات الأهلة، إذا كلفنا أن نتعامل في ذلك وكأننا أميون في الحساب الفلكي، لا نكتب ولا نحسب، وليس في ذلك تنقص أو إزراء بعلم الفلك، ولكن المقصود أن لعلماء الفلك مجالاً رحباً في بعض شئون الحياة, خارج المسائل الشرعية، فإنه ليس لهم أي دور في إثبات علل وأسباب العبادات التي ربط الله علل أحكامها بأسباب حسية ملموسة. وقد أجمع الفقهاء على الالتزام بالعلة الشرعية للصوم, وهى الرؤية البصرية للهلال، وأجمعوا على رفض الأخذ بالحساب الفلكي, سواء في ذلك حالة الصحو أم حالة الغيم إلا من شذ من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير