"وَمَادَّة كَتَبَ دَالَّة عَلَى الْجَمْع وَالضَّمّ، وَمِنْهَا الْكَتِيبَة وَالْكِتَابَة، اِسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِيمَا يَجْمَع أَشْيَاء مِنْ الْأَبْوَاب وَالْفُصُول الْجَامِعَة لِلْمَسَائِلِ، وَالضَّمّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَكْتُوب مِنْ الْحُرُوف حَقِيقَة وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَة مِنْهَا مَجَاز". اهـ
والقرآن اصطلاحا: كلام الله تعالى الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، المعجز بسورة منه، المتعبد بتلاوته، المكتوب في المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، المنقول إلينا تواترا.
*****
ثالثا: السورة: فهي من سور: وهي مادة تدل على العلو والارتفاع، وفي نطقها لغتان:
"سؤرة": بالهمز، وهي القطعة، ومنها قيل لبقية الماء: "سؤر"، لأنه جزء انفصل عن الماء المشروب، ووجه تسميتها بذلك أنها بمنزلة الوحدة المستقلة، فهي مقطوعة عن السورة التي قبلها، والسورة التي بعدها، ولذلك أجاز بعض أهل العلم أن يكون المعنى مأخوذا من السور الذي يحيط بالبستان، فهو يفصله عما جاوره، كما تفصل السورة آياتها عن بقية آي الكتاب.
*****
رابعا: الآية: فهي وحدة السورة، وهي تطلق في لغة العرب على:
المعجزة، والعلامة الظاهرة، والأمر العجيب، والعبرة، والبرهان، والجماعة.
فتكون من قبيل المشترك اللفظي، وقد يقال بأن الاشتراك بين هذه المعاني: اشتراك معنوي، إذ المعنى الكلي الجامع بينها هو: الظهور.
وآيات الله، عز وجل، إما أن تكون:
شرعية: وهي المقصودة في هذا المقام، فهي وحدة الوحي المعجز بنظمه، إذ تتركب من كلمات مجموعة في سياق واحد لتؤدي معنى بعينه.
أو كونية: وبعض أهل العلم يسميها: آفاقية، وفي التنزيل: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
*****
ومن مسائل هذا الباب:
مسألة ترتيب القرآن:
فترتيب القرآن ينظر فيه إلى عاملين:
العامل الزمني: فقد نزل القرآن الكريم في ظرف زمني متسع قدره نحو 23 سنة، فنزل نجوما:
إما ابتداء بلا سبب فيكون عموم ألفاظه، من قبيل: العام الذي لم يرد على سبب.
وإما: على سبب، كآيات الظهار التي نزلت بسبب ظهار أوس بن الصامت، رضي الله عنه، من زوجه، فتكون من قبيل: العام الوارد على سبب، وهو، أيضا، على عمومه، فلا يخص بصورة السبب، إذ العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، لئلا تهدر دلالة النصوص على الأحكام، ومع ذلك يقدم ما نزل على غير سبب على ما نزل على سبب، لاحتمال الثاني، ولو احتمالا مرجوحا، التخصيص بصورة السبب، فالتخصيص أو حتى احتماله مما يضعف دلالة العام على أفراده، وإن صح الاحتجاج به، بخلاف العام المحفوظ الذي لا يتطرق له التخصيص ولو احتمالا فهو أقوى دلالة.
وهذا الترتيب يفيد الناظر فيه: معرفة حكمة الشارع، عز وجل، في إيراد الأحكام على المكلفين، فلو جاءت الشريعة دفعة واحدة لما أطاق الناس العمل بها، فكانت الحكمة تدرج التكليف لئلا ينفرالناس فرارا من تبعة الدخول في الدين، فليس الدين كلمة تقال، ولكنه عقد جازم يصدق عملُ الجوارح فيه قولَ القلب وقولَ اللسان.
ولا يصح ترتيب الآيات في المصحف تبعا لهذا العامل لأنه يؤدي إلى الإخلال بنظم القرآن المعجز، فتفقد المعاني وحدتها الموضوعية.
والعامل المعنوي: وهو الذي أوقف جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه، فكان يأمره بوضع آية كذا في سورة كذا في مكان كذا، وهو الترتيب المعتمد في القراءة وبه يظهر إحكام آي الكتاب العزيز، ولهذا صح إطلاق وصف الإحكام العام على الوحي المنزل، فهو محكم باعتبار تسلسل معانيه مع اختلاف أزمنة نزولها.
بتصرف واسع من مذكرة "المدخل إلى علم التفسير"، ص42_44.
*****
وكذلك:
مسألة ترتيب السور:
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ترتيب السور اجتهادي، بدليل اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيبها.
قال القرطبي رحمه الله:
¥