تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثانية: رواية الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالَ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ قَالَ فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}

فتقدم رواية البخاري، رحمه الله، من أوجه منها:

أولا: أنها في أحد الصحيحين فتقدم على ما في خارجهما.

ثانيا: حضور ابن مسعود، رضي الله عنه، القصة في رواية البخاري.

ثالثا: كون رواية ابن عباس، رضي الله عنه، مرسلة، لأن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان طفلا صغير آنذاك، فقد ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، وربما لم يكن قد ولد بعد حين سألت قريش اليهود، أو ولد ولم يميز، ومرسل الصحابي، وإن كان حجة عند الجمهور، لأن الصحابي لا يرسل إلا عن صحابي مثله، وإن روى عن غيره بين، فالسقط في مرسله مأمون، لكونه لا يحتاج تعديلا، فجهالته لا تضر، إلا أن وقوع الخلاف من أبي إسحاق الإسفرائيني، رحمه الله، أخرجه عن حد الإجماع، ولو كان خلافا مرجوحا لا أثر له، بخلاف رواية الصحابي المباشرة فهي مقبولة بالإجماع، فضلا عن كون ما سمعه الصحابي من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مباشرة أرجح مما سمعه بواسطة لقلة الوسائط وعلو السند في حال السماع المباشر، ولذلك قدم أهل العلم رواية عائشة وأم سلمة، رضي الله عنهما، في إصباح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جنبا صائما على فتوى أبي هريرة، رضي الله عنه، بأن من أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صِيَامَ لَه، ومثلها لا يقال بالرأي، قدمها أهل العلم من جهة اطلاع عائشة وأم سلمة، رضي الله عنهما، على ما لم يطلع عليه أبو هريرة من أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أهله، فضلا عن كون روايته مرسلة، لأنه رواها عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما.

فتقدم الرواية المتصلة على المرسلة، وإن كانت الأخيرة في حكم المتصلة لأن جهالة الساقط فيها لا تضر على التفصيل المتقدم.

وقد اعتبر الزركشي، رحمه الله، هذا المثال من باب تعدد النزول وتكرره، فتكون قد نزلت مرتين: مرة بمكة، وأخرى بالمدينة.

قال في "البرهان":

"وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا به عند حدوث سببه خوف نسيانه وهذا كما قيل في الفاتحة نزلت مرتين مرة بمكة وأخرى بالمدينة وكما ثبت في الصحيحين عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)، فقال الرجل: إلي هذا، فقال: بل لجميع أمتي فهذا كان في المدينة والرجل قد ذكر الترمذي أو غيره أنه أبو اليسر وسورة هود مكية بالاتفاق ولهذا أشكل على بعضهم هذا الحديث مع ما ذكرنا ولا إشكال لأنها نزلت مرة بعد مرة ومثله ما في الصحيحين عن ابن مسعود في قوله تعالى: (ويسألونك عن الروح)، أنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح وهو في المدينة ومعلوم أن هذه في سورة وهى مكية بالاتفاق فإن المشركين لما سألوه عن ذي القرنين وهن أهل الكهف قيل ذلك بمكة وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك فأنزل الله الجواب كما قد بسط في موضعه وكذلك ما ورد في: (قل هو الله أحد) أنها جواب للمشركين بمكة وأنها جواب لأهل الكتاب بالمدينة وكذلك ما ورد في الصحيحين من حديث المسيب: لما حضرت أبا طالب الوفاة

وتلكأ عن الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه فأنزل الله: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى)، وأنزل الله في أبي طالب: (إنك لا تهدى من أحببت) وهذه الآية نزلت في آخر الأمر بالاتفاق وموت أبي طالب كان بمكة فيمكن أنها نزلت مرة بعد أخرى وجعلت أخيرا في براءة". اهـ

وحجة من ذهب إلى ذلك أن في تكرار النزول تذكيرا وتأكيدا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير