تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحاجة كانت قائمة بالفعل إلى جمعه في مصحف مسطور، ولكنها مع ذلك، لم تكن بنفس القدر الذي كانت عليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه كان يبين للصحابة، رضي الله عنهم، ما أشكل عليهم في تلاوة التنزيل، كما في حديث عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم رضي الله عنهما، أو تفسيره، كما في تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

ولكن مع ذلك قام المانع من ذلك وهو تجدد الوحي وهذا مؤد إلى التغيير المستمر في النسخ المكتوبة، فلما أمن ذلك بوفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع قيام الحاجة وازديادها، كما سيأتي إن شاء الله، خرج هذا العمل المبارك عن حد البدعة الاصطلاحية، بل صار عين السنة، فبه تحقق موعود الباري، عز وجل، بحفظ كتابه.

يقول البغوي، رحمه الله، في "شرح السنة" معلقا على حديث زيد رضي الله عنه:

"فيه البيان الواضح أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير

أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه شيئا، والذي حملهم على جمعه ما جاء بيانه

في الحديث، وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال،

فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم، فأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، (فالإجماع قد وقع على ذلك الأمر الرشيد)، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن

يقدموا شيئا أو يؤخروا، ولم يضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل صلوات الله عليه

إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السور التي يذكر فيها كذا، روي معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه". اهـ بتصرف.

فلما استحر القتل بالقراء في حروب الردة، إذ قتل في معركة اليمامة وحدها: 960: 360 من قصبة دولة الإسلام: المدينة النبوية، و 600 من بقية أحياء العرب، أشار عمر، رضي الله عنه، على أبي بكر، رضي الله عنه، بجمع القرآن في السطور لئلا يذهب بذهاب الصدور، فانتدب الصديق، رضي الله عنه، لهذه المهمة الجليلة: زيد بن ثابت، رضي الله عنه، كما في حديث الباب في بداية المداخلة، لأنه شهد العرضة الأخيرة فعلم المحكم من المنسوخ.

يقول الحافظ، رحمه الله، في معرض بيان مرجحات اختيار زيد بن ثابت رضي الله عنه:

"ذَكَرَ لَهُ أَرْبَع صِفَات مُقْتَضِيَة خُصُوصِيَّته بِذَلِكَ:

كَوْنه شَابًّا فَيَكُون أَنْشَط لِمَا يُطْلَب مِنْهُ.

وَكَوْنه عَاقِلًا فَيَكُون أَوْعَى لَهُ.

وَكَوْنه لَا يُتَّهَم فَتَرْكَن النَّفْس إِلَيْهِ.

وَكَوْنه كَانَ يَكْتُب الْوَحْي فَيَكُون أَكْثَر مُمَارَسَة لَهُ.

وَهَذِهِ الصِّفَات الَّتِي اِجْتَمَعَتْ لَهُ قَدْ تُوجَد فِي غَيْره لَكِنْ مُفَرَّقَة". اهـ

وكان زيد، رضي الله عنه، لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل يشهدان أن هذا المكتوب قد كتب بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو أنه من الأوجه التي نزل بها القرآن.

يقول الحافظ رحمه الله:

"وَكَانَ لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد شَيْئًا حَتَّى يَشْهَد شَاهِدَانِ " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ زَيْدًا كَانَ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ وِجْدَانه مَكْتُوبًا حَتَّى يَشْهَد بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ سَمَاعًا؛ مَعَ كَوْن زَيْد كَانَ يَحْفَظهُ، وَكَانَ يَفْعَل ذَلِكَ مُبَالَغَة فِي الِاحْتِيَاط. وَعِنْد اِبْن أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ أَبَا بَكْر قَالَ لِعُمَر وَلِزَيْدٍ: اُقْعُدَا عَلَى بَاب الْمَسْجِد فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْء مِنْ كِتَاب اللَّه فَاكْتُبَاهُ " وَرِجَاله ثِقَات مَعَ اِنْقِطَاعه، وَكَأَنَّ الْمُرَاد بِالشَّاهِدَيْنِ الْحِفْظ وَالْكِتَاب، أَوْ الْمُرَاد أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوب كُتِبَ بَيْن يَدَيْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير