وأما حديث إبراهيم بن أبي يحيى: حدثنا معاذ بن عبد الرحمن، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد قرأت القرآن والتوراة. فقال: "اقرأ بهذا ليلة، وبهذا ليلة".
فإسناده ضعيف، كما ذكر الذهبي، رحمه الله، في "سير أعلام النبلاء".
قال المحقق في الحاشية:
"لأن إبراهيم بن أبي يحيى وهو الأسلمي المدني متروك الحديث، وبعضهم اتهمه، فالحديث ضعيف جدا، بل يكاد يكون موضوعا، فإنه مخالف لحديث جابر بن عبد الله أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: "أمتهوكون (أي متحيرون) كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي" وهو حديث حسن، أخرجه أحمد 3/ 338 و 378، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد عند أحمد 3/ 470، 471، وآخر من حديث عمر عند أبي يعلى. انظر "مجمع الزوائد" 1/ 173، 174". اهـ
قال الحافظ الذهبي، رحمه الله، معلقا: "فإن صح، ففيه رخصة في التكرار على التوراة التي لم تبدل، فأما اليوم، فلا رخصة في ذلك ; لجواز التبديل على جميع نسخ التوراة الموجودة، ونحن نعظم التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، ونؤمن بها.
فأما هذه الصحف التي بأيدي هؤلاء الضلال، فما ندري ما هي أصلا. ونقف، فلا نعاملها بتعظيم ولا بإهانة، بل نقول: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله. ويكفينا في ذلك الإيمان المجمل، ولله الحمد". اهـ
والأصل في التوقف الذي أشار إليه الذهبي، رحمه الله، بقوله: "ونقف" هو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبونه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقونه)، وفي معناه: حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، موقوفا: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم إما أن يحدثوكم بصدق فتكذبونهم أو بباطل فتصدقونهم).
قال الحافظ نور الدين الهيثمي، رحمه الله، في "مجمع الزوائد": "رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون". اهـ
ومن ترجمة عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، في "سير أعلام النبلاء":
"قال أحمد في "مسنده": حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في أحد أصبعي سمنا، وفي الأخرى عسلا، فأنا ألعقهما، فلما أصبحت، ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "تقرأ الكتابين، التوراة والفرقان"، فكان يقرأهما.
يقول الحافظ الذهبي، رحمه الله، معلقا على هذه الرواية:
ابن لهيعة ضعيف الحديث، (ومن اعتبر بروايته فإنما اعتبر برواية العبادلة: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وإليه أشار ابن حبان، رحمه الله، فيما نقله عنه الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": "وكان أصحابنا يقولون: سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة: عبد الله بن وهب، وابن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن مسلمة القعنبى - فسماعهم صحيح"، وهذه الرواية من طريق قتيبة بن سعيد، رحمه الله، فلا تصلح احتجاجا أو اعتبارا)، وهذا خبر منكر، ولا يشرع لأحد بعد نزول القرآن أن يقرأ التوراة ولا أن يحفظها، لكونها مبدلة محرفة منسوخة العمل، قد اختلط فيها الحق بالباطل، فلتجتنب.
فأما النظر فيها للاعتبار وللرد على اليهود، فلا بأس بذلك للرجل العالم قليلا، والإعراض أولى.
فأما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله أن يقوم بالقرآن ليلة وبالتوراة ليلة، فكذب موضوع قبح الله من افتراه.
وقيل: بل عبد الله هنا هو ابن سلام.
وقيل: إذنه في القيام بها أي يكرر على الماضي لا أن يقرأ بها في تهجده". اهـ
وقد عرف عمر، رضي الله عنه، بالشدة في هذا الأمر، فأثر عنه حرق كتب المجوس: عباد النار، التي عثر المسلمون عليها في بلاد فارس، وليس هذا مسلك من يتلقى عن غيره تلقي المقلد الجاهل.
يقول ابن خلدون، رحمه الله، في مقدمته الشهيرة:
¥