تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلم يكن سماع عمر، رضي الله عنه، منه، دائما، وإنما أشار إليه الحافظ ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "ربما"، ولم يكن سماعه منه اعتمادا وإنما استشهادا في مسائل لا تقوم حاجة إلى بيانها، فهي من المُلَحِ لا من الأصول، فليست هذه الأمة بحاجة إلى حرف واحد مما عند غيرها، فقد كفاها الله، عز وجل، أمر دينها أصولا وفروعا، وكل من اعتقد حاجته إلى ما عند الأمم الأخرى من العقائد والشرائع والأخلاق فإنما ذلك لنقص في علمه لا لنقص في الرسالة الخاتمة.

وفي التنزيل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)

وكان عمر، رضي الله عنه، يقول لكعب: "إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها"، والأثر عند ابن عبد البر، رحمه الله، في "جامع بيان العلم وفضله": «إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله عز وجل على موسى بن عمران عليه السلام فاقرأها آناء الليل والنهار»، وهذا أمر متعذر، بتعذر معرفة مواضع التحريف تحديدا، وإن كنا نعرف وقوعه إجمالا، اللهم إلا في المواضع التي يقطع بوقوع التحريف فيها كتنقص الذات الإلهية والطعن في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .......... إلخ من الأقوال المستشنعة.

وعند البغوي، رحمه الله، في تفسيره: "وقال قتادة وعكرمة والسدي: كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض بأعلى المدينة وممرها على مدارس اليهود فكان إذا أتى أرضه يأتيهم ويسمع منهم كلاما , فقالوا له: ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك، إنهم يمرون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا وإنا لنطمع فيك فقال عمر: والله ما آتيكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأرى آثاره في كتابكم وأنتم تكتمونها فقالوا: من صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة؟ قال: جبريل فقالوا: ذلك عدونا يطلع محمدا على أسرارنا وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة، وإن ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والمغنم، فقال لهم عمر: تعرفون جبريل وتنكرون محمدا؟ قالوا: نعم قال: فأخبروني عن منزلة جبريل وميكائيل من الله عز وجل؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال عمر: فإني أشهد أن من كان عدوا لجبريل فهو عدو لميكائيل، ومن كان عدوا لميكائيل فإنه عدو لجبريل، ومن كان عدوا لهما كان الله عدوا له، ثم رجع عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: "لقد وافقك ربك يا عمر" فقال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك، في دين الله أصلب من الحجر". اهـ

فكيف يصغي عمر، رضي الله عنه، إلى كعب أو غيره إصغاء المتعلم الناقل، لا المعلم الناقد، وهو الذي أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي.

وهذه رواية أحمد، رحمه الله، في "مسنده"، وهي من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه.

ومجالد هو: مجالد بن سعيد، وهو: لين، لا يحتج به، كما نقل ذلك الذهبي، رحمه الله، في ترجمته في "ميزان الاعتدال" عن ابن معين رحمه الله.

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله، في "ظلال الجنة في تخريج السنة": "حديث حسن إسناده ثقات غير مجالد وهو ابن سعيد فإنه ضعيف ولكن الحديث حسن له طرق أشرت إليها في المشكاة ثم خرجت بعضها في الإرواء". اهـ

فنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث إنما توجه إلى سؤالهم قصدا، لا إلى السماع منهم عرضا، فجعلهم مصدرا من مصادر التلقي يفزع إليه عند الحاجة شيء، والاستئناس بحكاية ما عندهم شيء آخر كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير