وفي لسان العرب:
"ومنه سُورَةُ القرآن لأَنها منزلةٌ بعد منزلة مقطوعةٌ عن الأُخرى". اهـ
وقيل هي من "الكمال"، ومنه قيل للناقة التامة: سورة.
ولا مانع من الجمع بين كل هذه المعاني إذ لا تنافي بينها، فسورة القرآن: تامة محكمة، مقطوعة عما قبلها وما بعدها من السور، عالية المنزلة.
واللفظ الواحد قد يحتمل أكثر من معنى، وهذا مما جعله بعض أهل العلم من أوجه إعجاز القرآن، فالكلمة الواحدة تنصرف إلى أكثر من وجه، مع اتحاد المبنى.
يقول السيوطي، رحمه الله، في "الإتقان" في النوع التاسع والثلاثين: "في معرفة الوجوه والنظائر":
"وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثاً مرفوعاً: "لا يكون الرجل فقيهاً كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة".
قلت (أي السيوطي رحمه الله): هذا أخرجه ابن سعد وغيره عن أبي الدرداء موقوفاً، ولفظه لا يفقه الرجل كل الفقه وقد فسره بعضهم بأن المراد أن يرى اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة ولا يقتصر به على معنى واحد". اهـ
وهذا الأمر مقيد بأن تكون هذه الأوجه: سائغة من جهة اللغة، موافقة للشرع من جهة المعنى، فلا تخرج ألفاظ التنزيل على الأوجه اللغوية الشاذة، كما فعل المتكلمون في نصوص الصفات، ولا تخرج على معان باطنية باطلة، كما فعل غلاة الفلاسفة وغلاة الباطنية من: الرافضة والمتصوفة.
وقوله: "أنزلناها" لا ينافي إنزال غيرها، وإنما فيه تنبيه على الاعتناء بها، فإثبات الحكم لها لا يوجب نفيه عما سواها، لأن سياق الكلام: غير حاصر، فلا يفيد مفهوما، بخلاف ما لو قيل: سورة ما أنزلنا إلا هي، فإن السياق حاصر، فيفيد بدلالة المنطوق: إنزالها، ويفيد بدلالة المفهوم: عدم إنزال سواها، فالحاصل: أن إسناد الفعل إلى المسند إليه لا يعارض إسناده إلى مسند إليه آخر، إلا إذا كان السياق حاصرا حصرا حقيقيا.
ومن ذلك: قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)، فالنص على المساكين لا يعني عدم دخول الفقراء، بل هم داخلون، من باب أولى، فالنص غير حاصر ليفيد بدلالة المفهوم: انتفاء الحكم عن غير المنصوص.
وقوله تعالى: (وفرضناها):
أي بينا فيها أحكام الحلال والحرام، فهي، كما تقدم،: "سورة الآداب والأحكام"، لكثرة ما ورد فيها من أحكام وآداب تدل على أن هذه الشريعة: شريعة كاملة محكمة، تغطي بأحكامها كل مناحي الحياة من: عقائد وشرائع سواء أكانت: عبادات أم معاملات، أم أخلاق، أم سياسات، فهي منهاج حياة صالح لكل زمان ومكان.
وقوله تعالى: (وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون):
البينة: هي الحجة الواضحة، فالقرآن الكريم قد احتوى المسائل العلمية والعملية مقررة بأدلتها وحججها الفطرية والعقلية، لا كما يزعم المتكلمون الذين قالوا بأن القرآن: كتاب يقرر المسائل ولا يقيم الحجج عليها، فراحوا يقيمون الحجج العقلية التي تلقوها عن فلاسفة الأمم الغابرة، نصرة للدين، بزعمهم، فوقع منهم ما وقع من الزلل، لاسيما في المسائل العلمية التي لا عمل للعقل فيها إلا التسليم والانقياد للنقل الصحيح، فتأول منهم من تأول: صفات الباري، عز وجل، وزاد بعضهم فتأول بعض أحوال الدار الآخرة كالصراط والميزان ........ إلخ، ووصل الأمر بغلاة الباطنية إلى تأول الأحكام الشرعية العملية كما هو مقرر في كتب الفرق والمذاهب الإسلامية.
قوله تعالى: (لعلكم تذكرون):
أي لتتذكروا، فـ: "لعل": في القرآن الكريم تفيد التعليل.
وبهذا تنتهي: (الآية: 1)، ولله الحمد والمنة.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 09 - 2008, 09:55 ص]ـ
ومع: قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ): [/ u][/color]
¥