فقد قدر بعض النحاة السياق بـ: "ومما يتلى عليكم": الزانية والزاني فاجلدوا ........... ، فتكون: "الزانية": مبتدأ، والخبر محذوف وهو متعلق الجار والمجرور المقدر: "ومما يتلى عليكم"، وجملة: "فاجلدوا": مستأنفة، ولا يلزم على هذا الوجه الإخبار بالجملة الإنشائية الطلبية: "فاجلدوا" عن المبتدأ: "الزانية"، مع كون ذلك جائزا، على الراجح من أقوال النحاة، فيصح نحو: زيدٌ اضربه، برفع: "زيد" على الابتداء، والجملة بعده خبر عنه، ومنه قول العذري:
وجد الفرزدق أتعس به ******* ودق خياشيمه الجندل.
فـ: "جد الفرزدق": مبتدأ، وجملة: "أتعس به" الإنشائية الدعائية: خبر.
بتصرف من "شرح ابن عقيل مع حاشية منحة الجليل"، (1/ 132).
ولكن حمل الكلام على وجه أجمع النحاة عليه أولى من حمله على وجه مختلف فيه، خروجا من الخلاف، فالخروج من الخلاف سنة كما قرر أهل العلم.
وقال آخرون: الزانية: مبتدأ، وخبره: "فاجلدوا ................ "، وإنما اقترن الخبر بالفاء، لأنه أشبه أسلوب الشرط في ترتب الجزاء على الشرط، فـ: "أل" في "الزانية" و "الزاني": موصولة بمعنى: "الذي" و "التي" لأنها اتصلت باسم وصف مشتق: اسم الفاعل: "الزانية" و "الزاني"، فآل الكلام إلى: والتي زنت والذي زنى فاجلدوا ............. ، ولما كان الموصول شبيها بأداة الشرط من جهة توقف ما بعد صلته عليها: توقف جواب الشرط على الشرط، نزلت: "من" الموصولة منزلة: "من" الشرطية، فعلق حكم الجلد على اسم: "الزانية" و "الزاني"، وعلق الاسم بدوره على الوصف المستفاد من الصلة وهو وصف الزنا، وقد تقرر في الأصول: أن الأحكام الشرعية معلقة على الأسماء، والأسماء معلقة على الأوصاف، فإذا وجد الوصف صح إطلاق الاسم، وعليه يصح إطلاق الحكم، فمن وقع في فاحشة الزنا، صح إطلاق اسم: "الزاني" عليه، أيا كان، فالموصول من صيغ العموم، كما قرر الأصوليون، وعليه يصير حكم الجلد في حقه واجبا، فآل الكلام إلى: من زنت ومن زنى فاجلدوهما مائة جلدة، وقد تقرر أن الفاء تربط جواب الشرط بالشرط إذا كان أمرا، ومن هنا صح دخول الفاء على خبر الموصول.
ونظيره: قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
بتصرف واسع من: "شرح قطر الندى مع حاشية سبيل الهدى"، ص194.
ومن زعم بأن "أل" في مثل هذا السياق، وفي مثل سياق قوله تعالى: (السارق والسارقة)، هي "أل" العهدية، ليخصص عموم الآية بمعهود هو: سارق أو زان بعينه، متوصلا بذلك إلى إبطال الحد، بقصره على فرد واحد من أفراد العام، فقد غلط غلطا بينا، لأن "أل" في "الزاني" و "السارق" كما تقدم: موصولة لاتصالها باسم وصف، كما قرر ذلك ابن مالك، رحمه الله، في "الألفية" بقوله:
وصفة صريحة صلة أل *******وكونها بمعرب الأفعال قل
والموصول من أقوى صيغ العموم، والأصل في نصوص الوحي: أنها عامة في حق جميع المكلفين إلا ما ورد الدليل بتخصيصه، فلا يعدل عن الأصل إلا بدليل ناقل عنه، ولا دليل هنا على اختصاص هذا الحكم بسارق أو زان بعينه، فالعبرة بـ: عموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما قرر الأصوليون، وصورة السبب، وإن كانت داخلة في الحكم أصالة، إلا أن ذلك لا يمنع دخول غيرها في نفس الحكم إذا تحقق فيها الوصف الذي علق عليه الحكم.
وقدمت: "الزانية" على "الزاني"، لأن المرأة أصل في هذه الجريمة، والرجل فرع عليها.
يقول الزمخشري، غفر الله له، في "كشافه":
"والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية، (أي: جناية الزنا)، لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن. فلما كانت أصلاً وأولاً في ذلك بدئ بذكرها". اهـ بتصرف يسير.
ويقول القرطبي رحمه الله:
¥